حد الضرورة التي تبيح التعامل بالربا

0 95

السؤال

شيوخي الأعزاء: أنا شاب تونسي، لدي شركة تصدير وتوريد جديدة. وتمكنت بفضل الله بعد عمل منهك جدا، وطويل جدا بمساعدة صديق فرنسي، من العثور على حرفاء كبار جدا من أوروبا، مهتمين بمنتجاتي، ويريدون إبرام عقود عمل مع شركتي، وهذا فضل كبير من الله سبحانه؛ لأن الوصول إلى إبرام اتفاقات مع هذه الشركات الضخمة هو حلم كل شركة في العالم؛ إذ لا يمكن تحقيق هذا بسهولة.
وفي عرف التجارة الدولية، فإنه طبيعي وعادي ألا تدفع هذه الشركات سعر ما تشتريه مني مباشرة، وإنما بعد مدة تصل إلى الشهر، ولهذا فإنني ملزم بالتعامل مع بنوك تشتري لي المواد الأولية، حتى أبيعها لهؤلاء الحرفاء الكبار، ثم عندما يدفعون لي، أدفع للبنك الذي يأخذ طبعا هامشا من الأرباح.
مشكلتي أن البنوك الإسلامية، وحتى غير الإسلامية في تونس، تطلب رهنا كبيرا مقابل تمويلي، وهذا أمر يتجاوز قدراتي المادية، غير أن البنوك الفرنسية مستعدة للعمل معي وتمويلي دون أي رهن، خصوصا بعد أن عرفوا زبائني الكبار، وهذه بنوك تقليدية وليست إسلامية.
معضلتي الكبرى أنني إن لم أجد التمويل اللازم لتوفير الطلبيات الكبيرة التي سوف يطلبها حرفائي، فإنني سوف أخسرهم نهائيا، وسوف يضيع الجهد الكبير الذي قمنا به، خصوصا صديقي الفرنسي الذي يعمل مدير تسويق في شركتي، وينال نسبة عن الطلبيات التي سيطلبها هؤلاء الحرفاء باعتباره هو من أوجدهم لنا، إن لم أستطع تمويل هذه الطلبيات، سوف أخسر، وسوف يخسر صديقي الفرنسي معي، علما أنني بذلت كل ما هو ممكن للبحث عن مصدر تمويل شرعي من البنوك الإسلامية للشركاء. ويعلم الله وحده كيف كافحت من أجل المال الحلال. لكن الله لم يشأ إلا أن يغلق هذه الأبواب كلها، حتى وجدتني أمام حل البنوك الفرنسية لا غير، والوقت يضغط علي بشدة؛ لأن طلبيات حرفائي على الأبواب.
فهل يجوز لي التعامل مع هذه البنوك حتى أقف على رجلي، وأستطيع تدبر جهات تمويل أخرى شرعية، أم علي أن أستسلم وأرضى بهذه الخسارة الفادحة؟
إن وضعي هذا يثير في نفسي حسرة شديدة، وحزنا عميقا، وحرجا كبيرا، ولم أجد إلا أن أراسلكم طلبا لفتوى منكم، علما أنني نويت من قبل أن أجد نفسي في هذه المعضلة أن أخصص نسبة من أرباح شركتي لإنشاء منظمة خيرية تساعد شباب جهتي على بدء مشاريع خاصة بهم، من خلال تمويلهم بقروض حسنة، وإنقاذهم من التعامل مع البنوك الربوية. لكنني وجدت نفسي في وضعية ملزم فيها أنا نفسي بأن أتعامل مع البنوك الربوية، أو أخسر كل شيء، علما وأن علي ديونا يجب أن أسددها في أقرب وقت ممكن. وما أقول إلا حسبي الله، توكلت عليه، ورضيت بما قدره لي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يهيئ لك من أمرك رشدا.

وأما ما سألت عنه حول التعامل مع البنوك الربوية والاقتراض منها، فمن المعروف أن الشريعة الإسلامية حرمت الربا، وجعلته من الكبائر العظيمة التي لا يحل لمسلم الإقدام عليها إلا لضرورة، قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. [البقرة:278-279]. وقال صلى الله عليه وسلم: لعن الله آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء -أي في الإثم-" رواه مسلم.
 وغير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على شناعة أكل الربا، وسوء عاقبة المتعاملين به.

 وأما من ألجأته الضرورة إليه، فيكون معذورا حينئذ؛ لقوله تعالى: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم {البقرة:173}، وحد الضرورة بلوغ المكلف حدا إن لم يتناول الحرام هلك، أو قارب على الهلاك. وزيادة الدخل وتنمية التجارة والاستثمار، ليس من ذلك.

قال الشيخ المودودي: لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا، فإن التبذير في مجالس الزواج, ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية، وكذلك شراء السيارة، أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية، وكذلك ليس استجماع الكماليات، أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضرورة، فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار, ويستقرض لها المرابون آلافا من الليرات لا وزن لها, ولا قيمة في نظر الشريعة، والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. انتهى. 

وعليه، فما ذكرته لا يبيح لك التعامل مع تلك البنوك الربوية، والدخول معها في معاملات محرمة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات