السؤال
إذا كنت أجلس على مائدة الطعام مع أهلي، وحدث منكر، ولكن من أخ لا يقبل النصح إلا قليلا في أوقات، وبحالات معينة، وبأسلوب معين، وإنكاري عليه من الممكن أن يؤدي إلى مشكلة بيني وبينه، فهل أنصرف عن مائدة الطعام عند حدوث ذلك؟
إذا كنت أجلس على مائدة الطعام مع أهلي، وحدث منكر، ولكن من أخ لا يقبل النصح إلا قليلا في أوقات، وبحالات معينة، وبأسلوب معين، وإنكاري عليه من الممكن أن يؤدي إلى مشكلة بيني وبينه، فهل أنصرف عن مائدة الطعام عند حدوث ذلك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: لا تتركي الإنكار على أخيك لمجرد الظن أن الإنكار لا يجدي معه نفعا، بل أنكري عليه، سواء ظننت أنه يقبل النصح أم لا، قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: قال العلماء -رضي الله عنهم-: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين. وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول. اهـ.
ويرى آخرون عدم وجوب النهي إن ظن عدم الإفادة، فقد ذكر ابن عبد السلام في قواعده، أنه لا يجب الإنكار عند اليأس من الاستجابة، وإنما يكون مستحبا.
وقال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين النووية: حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن الإمام أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه, وصحح القول بوجوبه, وهو قول أكثر العلماء. وقد قيل لبعض السلف في هذا، فقال: يكون لك معذرة، وهذا كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}. قال الحافظ: وقد ورد ما يستدل به على سقوط الأمر والنهي عند عدم القبول، والانتفاع به ... اهـ.
وإن ظننت أن الإنكار سيترتب عليه حدوث مفسدة أكبر من ترك الإنكار، ففارقي المجلس، ما دام مصرا على منكره، والأصل هو مفارقة مكان المنكر عند القدرة على المفارقة، إذا لم يزل بالإنكار، أو تعذر الإنكار.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم [النساء: 140]، قال مبينا مفارقة مكان المعصية: فإن لم يقدر على النكير عليهم، فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.. اهـ.
قال الجصاص في أحكام القرآن: فإن قيل: فهل يلزم من كان بحضرته منكر أن يتباعد عنه، وأن يصير بحيث لا يراه ولا يسمعه.
قيل له: قد قيل في هذا أنه ينبغي له أن يفعل ذلك إذا لم يكن في تباعده، وترك سماعه ترك الحق عليه، من نحو ترك الصلاة في الجماعة لأجل ما يسمع من صوت الغناء والملاهي، وترك حضور الجنازة لما معها من النوح، وترك حضور الوليمة لما هناك من اللهو واللعب. فإذا لم يكن هناك شيء من ذلك، فالتباعد عنهم أولى. اهـ.
والله تعالى أعلم.