السؤال
أحيانا أكون جالسة، ثم تأتي صديقة قديمة لي، ولم أكن التقيت بها منذ مدة، وتجلس بجانبي أمام الناس، وهي ترتدي البنطال. ماذا أفعل في هذه الحالة: هل أتركها وأذهب، أم أبقى جالسة؟ وهل هذا إعانة على المنكر؟
أحيانا أكون جالسة، ثم تأتي صديقة قديمة لي، ولم أكن التقيت بها منذ مدة، وتجلس بجانبي أمام الناس، وهي ترتدي البنطال. ماذا أفعل في هذه الحالة: هل أتركها وأذهب، أم أبقى جالسة؟ وهل هذا إعانة على المنكر؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصدين لبس المرأة للبنطال أمام الرجال الأجانب: فهو محرم شرعا، ومنكر يشرع إنكاره، والأصل أن إنكار المنكر فرض كفاية، ويتعين على الشخص في أحوال معينة، وانظري تفصيل ذلك وضوابطه، في الفتوى رقم: 124424.
وأما الجلوس مع صاحب المنكر: فإن كان في حال مباشرته لفعل المنكر، فلا يجوز الجلوس معه دون إزالة المنكر، إلا لحاجة، كما بيناه في الفتوى رقم: 341662.
وأما الجلوس معه في غير حال مباشرته للمنكر: فالذي نفتي به أنه لا يحرم الجلوس معه من حيث الأصل، وأن الهجر معلق بالمصلحة، فإن كان هجر الفاسق فيه مصلحة، شرع، وإلا لم يكن مشروعا، كما في الفتوى رقم: 348286.
وبناء على ذلك: فلا يجوز الجلوس مع المرأة حال تبرجها أمام الرجال، دون تغيير للمنكر، ويعد الجلوس حينئذ من الرضا بالمنكر والإقرار له، إلا إن كانت هناك حاجة توجب البقاء في المجلس.
وأما الجلوس معها في غير حال تبرجها أمام الرجال، فليس بمحرم، لكن إن كان هناك مصلحة في القيام وعدم مجالستها - كردعها عن المعصية- فإن ذلك يشرع ويستحب.
ولبعض الفقهاء كلام آخر في تحريم الجلوس مع الفساق، ننقله في هذه الفتوى تتميما للفائدة.
جاء في الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي: (الكبيرة الحادية والأربعون بعد الأربعمائة: الجلوس مع شربة الخمر وغيرهم من الفساق إيناسا لهم). وهذا ما ذكره الأذرعي حيث قال: أقر الشيخان صاحب العدة على أن ذلك من الصغائر. قلت: وهذا الإطلاق ممنوع، بل الوجه أن جلوسه مع شربة الخمر ونحوهم من أهل الفسوق والملاهي المحرمة، مع القدرة على النهي أو المفارقة عند العجز عن إزالة المنكر من الكبائر، ولا سيما إذا قصد اتباعهم بجلوسه معهم على ذلك. اهـ.
(الكبيرة الثانية والأربعون بعد الأربعمائة: مجالسة القراء والفقهاء الفسقة). وهذا ما ذكره بعضهم، وظاهره أنه لا فرق عنده بين جلوسه معهم حال مباشرتهم لما فسقوا به ومجانبتهم له، وقد يوجه بأن أولئك بصورة أهل الخير والطاعة، فإذا كانوا مع تلك الصور الظاهرة منطوين على فسق باطن مثلا، كان في الجلوس معهم خطر كبير؛ لأن النفس بتكرير جلوسها معهم تألفهم وتميل إلى أفعالهم ضرورة؛ لأنها مجبولة على حب الشر وكل ما يضرها، فحينئذ تبحث عن خصالهم وتتأسى بها. ومن جملتها ذلك المفسق فترتكبه لما جبلت عليه من محبته، ولما ألفته من التأسي بأولئك الفسقة، فكان في مجالستهم ذلك الضرر العظيم.
هذا غاية ما توجه به هذه المقالة، وقد علمت من التي قبلها أن هذا لا يوافق مذهبنا؛ لأنهم إذا عدوا الجلوس مع الفسقة في حال فسقهم صغيرة على خلاف ما مر عن الأذرعي فأولى هذا؛ وأما على ما مر عن الأذرعي فالفرق بينه وبين هذا: أن حاضر تعاطي الفسق قادرا على إزالته، مختارا يعد مقررا له، راضيا به، معينا عليه. وهذه قبائح لا يبعد عد مجموعها كبيرة، وبه يتجه ما مر عن الأذرعي.
وأما مجرد الجلوس مع فاسق قارئ أو فقيه أو غيرهما، مع عدم مباشرته لمفسق، فيبعد عد ذلك كبيرة، بل الكلام في حرمته من أصله، حيث لم يقصد بالجلوس معه إيناسه لأجل فسقه، أو مع وصف فسقه، وإنما قصد إيناسه لنحو قرابة أو حاجة مباحة له عنده أو نحو ذلك، فحينئذ لا وجه للحرمة من أصلها، فإن قصد إيناسه من حيث كونه فاسقا فلا شك في حرمة ذلك، ثم رأيت الغزالي عد من الذنوب مصادقة الفجار، ومجالسة الشراب وقت الشرب، والأول صريح في أن مجرد المصادقة حرام وإن لم يجالسهم، والثاني صريح في أن مجرد المجالسة من غير مصادقة ولا قصد إيناس، لا إثم فيها وهو يؤكد ما ذكرته. اهـ.
وفي حاشية البجيرمي على شرح المنهج: قوله: وإيناس ضيف) أي من حيث إنه ضيف ولو فاسقا، فلا يخالف تحريم الجلوس مع الفساق. إيعاب: أي لأنه من حيث الفسق. شوبري: وعبارة ز ي قوله: وإيناس ضيف ظاهر كلامهم هنا أنه لا فرق بين كون الضيف فاسقا، أي ولا ينافيه ما في الشهادات أنهم عدوا من الصغائر الجلوس مع الفساق إيناسا لهم، ويجاب بأن ما هنا مخصوص بغير الفاسق، أما هو فلا يسن إيناسه بل يحرم ذلك. اهـ ومثله ع ش وعبارته: أن إيناسه من حيث إنه فاسق حرام، وكذا إن لم يلاحظ في إيناسه شيئا، وأما إيناسه لكونه شيخه أو معلمه فيجوز. اهـ.
وفي حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني: [قوله: وأما الصغائر] أي كقبلة الأجنبية، ولعن المعين ولو بهيمة، وكذبة على غير الأنبياء مما لا حد فيه ولا إفساد بدن ولا مال ولا ضرورة، وهجو المسلم ولو تعريضا، وهجر المسلم فوق ثلاثة أيام، والنوح، والجلوس مع الفاسق. اهـ.
والله أعلم.