الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم حضور المجالس التي ترتكب فيها محرمات

السؤال

أعلم أنَّ حضور المنكر من غير ضرورةٍ يوقع المرء فى الإثم، ويكون حاضره كفاعله، وأنا لي أصدقاء، كثيرٌ منهم -كما هو حال أغلب الشباب الآن في بلاد المسلمين- يكثرون من السبّ، والشتم، والفحش، والبذاءة، ومنهم مّن يُدَخِّن.
فهل يُحَرَّم عَلَيَّ الجلوس معهم مطلقًا، والخروج معهم؟
وما حكم الجلوس على المقاهي التي انتشرت فيها المنكرات؟
وأيضًا لا شكَّ أنَّ المنكرات قد انتشرت والبلوى قد عمّت في كلِّ مكانٍ. فهل يُحَرَّمُ الجلوس في أماكن الترفيه، والترويح عن النفس؛ لوجود المنكر فيها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المسلم منهي عن شهود المجالس التي يعصى الله عز وجل فيها، لغير ضرورة -إلا إن كان قادرا على إزالة المنكر-، قال سبحانه : وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء:140}.

قال القرطبي في تفسيره: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر. (إنكم إذا مثلهم) فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم، فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: (إنكم إذا مثلهم). فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم، يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم، فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. اهـ.

وقال ابن تيمية: ولا يجوز لأحد أن يشهد مجالس المنكرات باختياره بغير ضرورة، ورفع إلى عمر بن عبد العزيز -رضي الله عن-ه قوم شربوا الخمر فأمر بجلدهم، فقيل فيهم فلان صائم، فقال: به ابدؤوا، أما سمعت الله تعالى يقول: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} فجعل حاضر المنكر كفاعله. اهـ. من مختصر الفتاوى المصرية.

وقال أيضا: وقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}. فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة، مثل قوم يشربون الخمر يجلس عندهم. وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر، لا يجيب دعوتهم وأمثال ذلك. بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم، أو حضر بغير اختياره. ولهذا يقال: حاضر المنكر كفاعله. وفي الحديث: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر}.اهـ. من مجموع الفتاوى.

وقال ابن عثيمين: الجلوس مع أهل المنكر مع استطاعة الإنسان أن يقومَ، مشارك لهم في الإثم؛ لقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] يعني: إن قعدتم فأنتم مثلهم، ولا يحل لأحد أن يقعد مع أهل المنكر، إلا إذا كان في خروجه ضرر، أما مجرد أن يَغْضَب أهله أو ما أشبه ذلك، فهذا ليس بعذر، فلو كان أهله مثلاً يفتحون التلفاز على شيء محرم ونهاهم؛ ولكن لم ينتهوا وجب عليه أن يقوم، فإذا قال: إن قمتُ يزعل عليَّ أبي، أو أمي، أو الزوجة أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن يبقى، بل يجب أن يقوم ولو غضبوا؛ لأن التماس رضا الناس بسخط الله، يعني تقديم ما يرضاه الناس، على ما يرضاه الله -والعياذ بالله-.اهـ. من لقاء الباب المفتوح.

فقولك: ( وأنا لي أصدقاء، كثيرٌ منهم -كما هو حال أغلب الشباب الآن في بلاد المسلمين- يكثرون من السبّ، والشتم، والفحش، والبذاءة، ومنهم مّن يُدَخِّن.فهل يُحَرَّم عَلَيَّ الجلوس معهم مطلقًا، والخروج معهم؟ ) فالمحرم هو الجلوس معهم حال فعلهم لتلك المعاصي، ما دمت لا تمنعهم من فعل المنكر، إلا إن كان هناك ضرورة للجلوس معهم في تلك الحال، وأما في الأحوال التي لا يرتكبون فيها الآثام، فلا يحرم الجلوس معهم -من هذه الجهة-.

لكن لا يخفى أن على المرء أن يحرص على اختيار الصحبة الصالحة التي تقربه من الله، وتذكره إن غفل، وتعينه إن ذكر، وأن يتجافى عن رفقاء السوء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أبو داود وصححه ابن حبان، وقال صلى الله عليه وسلم:الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. أخرجه أبو داود والترمذي وصحح إسناده النووي.

وسؤالك: ( وما حكم الجلوس على المقاهي التي انتشرت فيها المنكرات ) فإن كان الجلوس في هذا المقاهي في نفس المكان والزمان الذي تقترف فيه المحرمات، فلا يجوز، وأما إن كان الجلوس بمكان لا يطلع فيه الجالس على تلك المنكرات، فلا بأس في الجلوس، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 159133.

وقولك: (وأيضًا لا شكَّ أنَّ المنكرات قد انتشرت، والبلوى قد عمّت في كلِّ مكانٍ. فهل يُحَرَّمُ الجلوس في أماكن الترفيه، والترويح عن النفس؛ لوجود المنكر بها) فقد سألتنا نحو هذا السؤال من قبل، وأجبناك عنه في الفتوى رقم: 339421 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني