السؤال
أثناء مشادة بيني وبين زوجي استفزني جدا، وقال لي أنا لا أطيق العيش معك، وسبني بأقذر الشتائم، وشتم والدي المتوفى، وشتم كل أهلي. قلت له: إني سأخلعك. قال لي: لو أبوك رجل اخلعيني. قلت له: سوف أثبت لك ذلك، وأقسمت يمينا أني سأخلعه، وبعد ذلك تصافينا لأن مشكلتي مع زوجي أنه دائم الشتائم، وقلت له: لا أحب أن تهينني وتشتمني، ومع ذلك يشتم ويسب بسبب وبدون سبب، ويرجع بعد ذلك يهدأ. ويراجع نفسه، ويندم، ثم يشتم ثانية. زوجي قال لي: إن علي كفارة يمين.
فأرجو يا شيخ أن ترد على سؤالي، وتوضح لي هل أنا أذنبت وعلي كفارة؟
وأرجو أن تقول نصيحة لزوجي؛ لأنه سوف يقرأ ردك على سؤالي.
وجزاك الله كل خير. شكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا ينبغي أن يغيب عن أذهان الزوجين أن للإسلام مقاصد عظيمة في تشريع الزواج، ومن أهمها أن تكون الأسرة مستقرة تسودها المودة والرحمة، ومن أهم ما يتحقق به ذلك أن يعرف كل من الزوجين حق الآخر عليه، ويقوم به على أكمل وجه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولمعرفة الحقوق الزوجية نرجو مطالعة الفتوى رقم: 27662.
ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يحسن عشرتها امتثالا لقول الله تبارك وتعالى: وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا {النساء:19}، قال الجصاص: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. اهـ .
وقال السعدي: على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. اهـ.
وللأزواج أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في حسن تعاملهم مع زوجاتهم.
ومن هنا نعلم أن من الظلم للزوجة ومن سوء عشرتها أن يهينها أو يسبها أو يسب أهلها. ومن الخطورة بمكان أن يسب أباها خاصة وأنه قد مات، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا.
وقد لا تخلو أسرة من وجود شيء من المشاكل فيها، والمطلوب تحري الحكمة عندئذ، وعدم ترك المجال للشيطان، فمن شأنه السعي في التفريق بين الأحبة، روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة: يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئا قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته - قال - فيدنيه منه ويقول نعم أنت . ومن أقوى أسلحته لتحقيق مآربه الغضب، فهو سبيل لكثير من الشرور، ولذلك حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم وبين كيفية علاجه، تجدون ذلك في الفتوى رقم: 8038.
وننصح عند الغضب أن يبتعد كل من الزوجين عن الآخر، ولو اضطر الزوج أن يخرج من البيت اتقاء للآثار السيئة للغضب فليفعل، فقد فعل مثله الأخيار، ثبت في صحيح البخاري عن سهل بن سعد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليا في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني، فخرج، فلم يقل عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء، فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه، ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب.
وجاء في فتح الباري: قال ابن بطال: وفيه أن أهل الفضل قد يقع بين الكبير منهم وبين زوجته ما طبع عليه البشر من الغضب، وقد يدعوه ذلك إلى الخروج من بيته، ولا يعاب عليه، قلت: ويحتمل أن يكون سبب خروج علي؛ خشية أن يبدو منه في حالة الغضب ما لا يليق بجناب فاطمة ـ رضي الله عنهما ـ، فحسم مادة الكلام بذلك، إلى أن تسكن فورة الغضب من كل منهما. اهـ.
وإذا كنت أقسمت يمينا بالله تعالى أو بصفة من صفاته على أنك ستخالعين زوجك، ولم تفعلي، فقد حنثت في هذه اليمين فتلزمك كفارة، ولمعرفة ما يجب في كفارة اليمين انظري الفتوى رقم: 2022. ولا إثم عليك في هذا الحنث، ونرجو أن تكوني مأجورة به، جاء في حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها، فكفر عن يمينك، وأت الذي هو خير. متفق عليه.
نسأل الله تعالى لنا ولكم العافية من كل شر وبلاء، ونرجو أن تكونوا على خير في مستقبل أيامكم.
والله أعلم.