السؤال
تزوجت قبل عامين من شخص مهاجر إلى أمريكا، وقد وعدني أن يأخذني معه، لكنه بعد الزواج لم يف بوعده بحجج واهية، أنه سيعود، ويستقر بالبلد لكنه لم يعد، ولا يريد أن يأخذني معه. والأدهى من ذلك أنه لا ينفق علي إلا نادرا، ولا يكلمني إلا نادرا.
أرجوك يا شيخ ما حكم ذلك شرعا؟
وجزاك الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزوجة لها حقوق على زوجها، كما أن له عليها حقوقا، فعلى كل منهما أن يؤدي حقوق الآخر عليه، قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف {البقرة:228}، وسبق أن بينا هذه الحقوق في الفتوى رقم: 27662.
ومن أهم هذه الحقوق أن يعاشرها بالمعروف، وأن يعمل على إعفافها، ولا يجوز له أن يغيب عنها أكثر من ستة أشهر -لغير عذر- إلا بإذنها، بل ذكر بعض أهل العلم أنها إذا طلبت رجوعه لزمه ذلك، وإلا كان لها الحق في طلب الطلاق، وانظري فتوانا رقم: 349414، ورقم: 43742. ومهما أمكن الزوج أن تكون زوجته معه حيث يقيم فهو أولى، وفي ذلك خير له ولها. وإن كان وعدك أن يأخذك إليه فينبغي أن يفي لك بهذا الوعد، فالوفاء بالوعد مستحب في قول جمهور الفقهاء؛ كما بينا في الفتوى رقم: 17057.
ومن حقك عليه أن ينفق عليك بالمعروف، فيعطيك ما يكفيك، وتفريطه في ذلك موجب للإثم، روى أبو داود عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. وفي رواية صحيح مسلم: كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته.
وإذا أنفقت على نفسك -غير متبرعة- جاز لك الرجوع عليه بما أنفقت بالمعروف، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 34771. ومن الجفاء أن لا يكلمك إلا نادرا، فهذا يتنافى مع حسن العشرة المأمور به شرعا، قال تعالى: وعاشروهن بالمعروف {النساء:19}.
وإن رأيت أن تصبري عليه فذاك، وإن تضررت منه فلك الحق في طلب الطلاق، فأنت في سعة من أن تعذبي نفسك بسببه، والطلاق قد تترجح مصلحته أحيانا، قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررا مجردا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.
وبعد الفراق يمكن أن يكون كل من الزوجين في خير، قال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما {النساء:130}. قال القرطبي عند تفسيره هذه الآية: أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله؛ فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.
والله أعلم.