السؤال
أريد جوابا شافيا يريح قلبي، ويزيل الهم عني.
أنا طالب علم، والآن طالب جامعي.
يدور بداخلي سؤال، سألني إياه أحد الناس، وهو أن من قال لا إله إلا الله، نهايته - وإن حدث ما حدث له- أن يدخل الجنة، قلت: نعم.
فقلت بعد مماطلات بأسئلة كثيرة: اذهب عني حاليا. ورجعت للمنزل، فبدأت أسأل نفسي: لو أن فتاة متبرجة ولبسها فاضح، والجميع ينظر لها بشهوة، لكنها تصلي وتصوم، ومسلمة، لكن لديها هذه الأمور من تبرج، وكلام للشباب بحجة الزمالة. من المؤكد أنها ستدخل الجنة حتى ولو كانت كذلك، فهي لم تخل إخلالا عظيما كالكفر، وربما تذهب في عمرة كل فترة، فيغفر لها حتى وإن زنت وتابت. وبذلك تكون قد أشبعت رغباتها، ومثلها شاب مثلا. فيوجد شك بداخلي من الشيطان يقول لي: إن هذا ليس عدلا، أن تدخل الجنة، مع من حافظت على حياتها، ومع من حافظ على حياته. مع أن ذاك كتم شهواته، وكتمت شهواتها، وهي وهو عكس ذلك.
فبالخلاصة: هل من تتبرج، أو من يفعل فواحش إن كان مسلما يؤمن بالله، ويصوم ويصلي، يدخل الجنة، مع من كان لا يفعل شيئا يغضب الله؟
فإذا كان كذلك، إذا سيفعل الجميع ذلك، كحال الأغلبية الآن.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أن تؤمن إيمانا جازما بعدل الله تعالى، وأنه لا يظلم الناس شيئا، قال تعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما {النساء:40}.
وعليك كذلك أن تؤمن بحكمة الله تعالى، وأنه سبحانه يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، فأفعاله كلها دائرة بين العدل والفضل، كما أنها كلها مشتملة على الحكمة والمصلحة.
واعلم كذلك أن عقول العباد قاصرة عن إدراك سر حكمة الله تعالى في جميع أحكامه، فإذا أشكل على العبد شيء منها، فليكله إلى عالمه، مستحضرا أنه سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وإذا تمهدت لك هذه المقدمات، فحاصل إشكالك أن الإخبار بدخول أهل التوحيد الجنة، يستلزم الترخيص لهم في المعاصي وتسهيلها عليهم، وليس ما ذكرته بشيء.
فإن أهل المعاصي عرضة لسوء الخاتمة -عياذا بالله- وأن يسلبوا التوحيد عند موتهم، فيكونوا من أهل النار خالدين مخلدين فيها عياذا بالله، ثم إن من مات على التوحيد وكان مصرا على كبائر الذنوب، فإنه عرضة للعذاب الشديد، وألا يدخل الجنة إلا بعد التمحيص، وقضاء ما عليه من عقوبة في النار، ومن الذي يطيق هذا؟ وغمسة واحدة في النار -أعاذنا الله منها بكرمه- تنسي العبد كل نعيم تنعم به في دار الدنيا.
فعلى العاصي أن يحذر هذه العاقبة السوء، وأن يعلم أنه وإن آل أمره إلى الجنة على تقدير موته على التوحيد، فهو عرضة لما لا قبل له به، ولا صبر له عليه، وكيف تزعم أنه يستوي عند الله من كان صالحا مقيما على الطاعات، وهذا الذي أعطى نفسه حظها من الشهوات؟ هذا عين الباطل، قال تعالى: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون {السجدة:18}. وكيف يستوي من يدخل الجنة لأول وهلة، مع من عذب بالنار مدة؟
ثم إن الدرجات في الجنة تتفاوت ويتفاضل أهل الجنة فيها، والله سبحانه لا يضيع أجر المحسنين، ولا يسوي بين من قضى عمره في طاعته، ومن أنفق ساعاته في معصيته ومحادته، قال تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون {الجاثية:21}.
فعليك أن تشغل نفسك بطاعة الله، وما يقربك منه، طالبا مرضاته، راجيا مثوبته، عالما أنه لا يظلم مثقال ذرة، وأن تحذر من تجده مقيما على المعاصي من سوء عاقبة فعله.
واطرد عن نفسك هذه الشكوك والأوهام الباطلة، القائمة على غير أساس.
والله أعلم.