السؤال
سؤالي يرتبط بموضوع مر معي في أطروحة الدكتوراه، وهو يتعلق بالميراث، ولم أجد له إجابة شافية في الأسئلة المطروحة السابقة، أما السؤال فهو: لو توفي شخص، ولم يكن له أبناء، أو بنات أحياء، وكان أقاربه الوحيدون هم: ابن ابنته التي توفيت في حياته، وابن شقيقته المتوفاة أيضا، فهل يصح في هذه الحالة اعتبار ابن ابنته أولى وأحق بأن ينتقل إليه ما تركه من أموال، وعقارات؟
سبب طرحي هذا السؤال هو موضوع مر معي في أطروحة الدكتوراه التي أعدها، ورغبت بتفسيره للقارئ، فقد جاء أن السلطنة العثمانية رفضت تولي الأمير بشير بن حسين الشهابي إمارة جبل لبنان، بعد وفاة الأمير أحمد المعني آخر الأمراء المعنيين دون وريث ذكر، وسبب رفضها ذلك هو أن الأمير بشير هو ابن أخت الأمير أحمد، ولأن ابن ابنته الأمير حيدر، موجود، ولم تنص المصادر على أكثر من هذا. نلاحظ أن انتقال الإمارة معناه انتقال الأراضي، والإقطاعات بخراجها، وغلالها، وخيراتها إلى الأمير الجديد، ففكرت أن اعتراض السلطنة على انتقال الإمارة مرده هذا السبب الشرعي (إن كان جائزا)، فهل يصح القول: إن ابن البنت يحجب ابن الأخت، إن لم يكن هناك غيرهما من الورثة؟ أتمنى إفادتي، ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ابن البنت، وابن الأخت من ذوي الأرحام، فلا يرثون بالاتفاق في حال وجود وارث من أصحاب الفروض، أو العصبات.
وأما في حال لم يكن للميت وراث من أصحاب الفروض، أو العصبات، فقد اختلف العلماء في توريث ذوي الأرحام، وفي طريقة توريثهم، جاء في بداية المجتهد: وأما المختلف فيهم، فهم ذوو الأرحام، (وهم من لا فرض لهم في كتاب الله، ولا هم عصبة): فذهب مالك، والشافعي، وأكثر فقهاء الأمصار، وزيد بن ثابت من الصحابة إلى أنه لا ميراث لهم. وذهب سائر الصحابة، وفقهاء العراق، والكوفة، والبصرة، وجماعة العلماء من سائر الآفاق إلى توريثهم.
والذين قالوا بتوريثهم اختلفوا في صفة توريثهم، فذهب أبو حنيفة وأصحابه، إلى توريثهم على ترتيب العصبات، وذهب سائر من ورثهم إلى التنزيل، (وهو أن ينزل كل من أدلى منهم بذي سهم، أو عصبة بمنزلة السبب الذي أدلى به).
وعمدة مالك ومن قال بقوله: أن الفرائض لما كانت لا مجال للقياس فيها، كان الأصل أن لا يثبت فيها شيء إلا بكتاب، أو سنة ثابتة، أو إجماع، وجميع ذلك معدوم في هذه المسألة.
وأما الفرقة الثانية، فزعموا أن دليلهم على ذلك من الكتاب، والسنة، والقياس.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وأولو الأرحام} [الأنفال:75]، و{الوالدان والأقربون} [النساء:7]، واسم القرابة ينطلق على ذوي الأرحام، ويرى المخالف أن هذه مخصوصة بآيات المواريث.
وأما السنة: فاحتجوا بما خرجه الترمذي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي عبيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له.
وأما من طريق المعنى: فإن القدماء من أصحاب أبي حنيفة قالوا: إن ذوي الأرحام أولى من المسلمين; لأنهم قد اجتمع لهم سببان: القرابة، والإسلام، فأشبهوا تقديم الأخ الشقيق على الأخ للأب (أعني: أن من اجتمع له سببان أولى ممن له سبب واحد). اهـ.
والمرجح عندنا: هو توريث ذوي الأرحام؛ وذلك بطريقة تنزيلهم منزلة من أدلو به، كما سبق في الفتوى: 7292.
وعلى هذا؛ فلو هلك هالك عن ابن بنت، وابن أخت شقيقة: فلابن البنت النصف -لأنه يدلي بالبنت، وهي لها النصف-، ولابن الأخت الشقيقة النصف -لأنه يدلي بالأخت الشقيقة، وهي تعصب البنت، فتأخذ الباقي وهو النصف-.
وأما على طريقة القرابة: فإن الميراث كله لابن البنت؛ لأنه في جهة البنوة، وهي أقرب إلى الميت من جهة الأخوة، التي فيها ابن الأخت الشقيقة.
والله أعلم.