خجل حديث العهد بالإسلام من الإخبار بإسلامه هل يقدح في إيمانه؟

0 106

السؤال

زوجتي أسلمت منذ عام -والحمد لله، والفضل والمنة له وحده-، وهي متمسكة بالإسلام وبفرائضه على خير ما يكون، لكن مشكلتها في قول: مسلمة أمام الناس الذين تعرفهم، في المرة الأولى فقط، وبعد ذلك يزول هذا الخجل منها، فهل ذلك دليل على نقص إيمانها بالله؟ جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يثبت زوجك على الإيمان، وأن يزيدها هدى.

واعلم أن الأصل في كتمان الإيمان أنه رخصة، ولا يؤخذ بها إلا في حال الاستضعاف، جاء في أطروحة: (الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي) للدكتور زياد المشوخي: إن الأصل في الفرد المسلم أن يظهر دينه وشعائره، خاصة إن كان في بلاد الإسلام، أما في حال تحقق الاستضعاف، واتصاله بإظهار الشعائر، وعدم القدرة على إظهارها، فإنه يجوز كتمان الإيمان، وإخفاء الشعائر.

 إلى أن قال: إن كتمان الإيمان، وإخفاء شعائره، رخصة للمستضعف، ومتى ما أظهر المستضعف الشعائر بنية إعزاز دين الله، وإن كان يعلم بأنه سيعود عليه بالضرر، أو التلف، كان مأجورا على ذلك، ومثابا عليه، وهو الأولى مع جواز إخفائها في تلك الحال.

يشهد لهذا أن عليا -رضي الله عنه- عندما قام يخطب وتحدث عن فضائل الصديق -رضي الله عنه- قال: (أيها الناس، أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: أنت -يا أمير المؤمنين-، قال: أما إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس، قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر -رضي الله عنه-، إنه لما كان يوم بدر، جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا، فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد من المشركين، فوالله، ما دنا منه إلا أبو بكر شاهرا بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس، فقال علي: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فهذا يجأ، وهذا يتلتله، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا، قال: فوالله، ما دنا منه أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجأ هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله!، ثم رفع علي بردة كانت عليه، فبكى حتى أخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم بالله، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني، فوالله، لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل كتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه. اهـ.

لكن ما ذكرته عن زوجك، قد لا يكون من كتمان الإيمان الذي لا يسوغ إلا لعذر؛ لأنه مجرد ترك الإخبار بدخولها في الإسلام، وهذا -إن لم تقتضيه مصلحة- فقد يكون نقصا أو ضعفا، وليس إثما، فلا يستوي من يخجل من الإخبار بإسلامه، بمن لا يبالي بأحد في إخباره بمنة الله عليه في الدخول في الإسلام.

لكن مع ذلك: فإن حديث العهد بالإسلام له خصوصية، ومراعاة في الشرع، فلا ينبغي أن تشدد على زوجتك في هذا الأمر.

ومن الحكمة أن يسكت العالم والداعية والمربي عن بعض الأوامر الشرعية، ويؤخر بيانها في حق بعض الناس، كحديثي العهد بالإسلام، أو التوبة، مراعاة لهم.

 وننقل هنا كلاما نفيسا لشيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد، يقول فيه: فالعالم تارة يأمر، وتارة ينهى، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الأمر، أو النهي، أو الإباحة، كالأمر بالصلاح الخالص، أو الراجح، أو النهي عن الفساد الخالص، أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح بحسب الإمكان. فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله، وإما لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله، وظلمه، فربما كان الأصلح الكف، والإمساك عن أمره ونهيه، كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت، كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء، والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر.

فالعالم في البيان والبلاغ كذلك؛ قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن، كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام، إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى بيانها. يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}.

والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به.

فأما العاجز عن العلم -كالمجنون، أو العاجز عن العمل-، فلا أمر عليه، ولا نهي، وإذا انقطع العلم ببعض الدين، أو حصل العجز عن بعضه: كان ذلك في حق العاجز عن العلم، أو العمل بقوله، كمن انقطع عن العلم بجميع الدين، أو عجز عن جميعه -كالمجنون مثلا- وهذه أوقات الفترات.

فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء، أو الأمراء، أو مجموعهما، كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا، بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا، ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه، والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة، كما يقال: إذا أردت أن تطاع، فأمر بما يستطاع.

فكذلك المجدد لدينه، والمحيي لسنته، لا يبلغ إلا ما أمكن علمه، والعمل به، كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه، ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب؛ والمتعلم، والمسترشد، لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين، ويذكر له جميع العلم، فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه، لم يكن واجبا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبا، لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان، كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات؛ لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط. فتدبر هذا الأصل، فإنه نافع. اهـ. من مجموع الفتاوى، وقد سقناه بطوله؛ لعلك تستفيد منه أنت، أو غيرك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة