السؤال
هل يأخذ المرء ذنب معصية غيره، إذا رضيت عنها نفسه، ولم تنكرها؟ وماذا إذا أنكرتها نفسه، ولكنه بقي على مودة من يفعل هذه المعصية، مع مراعاة اجتناب الجلوس معهم وقت المعصية؟ وإذا رأيت امرأة متبرجة، ولكني خشيت أن أصيبها بعين، فهل يجوز قول: ما شاء الله؟ وإذا تحدثت عن جمالها، فهل يعد هذا رضى عن معصيتها؟
ملخص السؤال هو: هل يمكن أن يأخذ المرء إثم معصية فعلها غيره؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يحب ما يحبه الله ورسوله، وأن يكره ما يكرهه الله ورسوله.
والرضى بالمعصية محرم، وإن لم يفعلها الشخص، أو يشهدها، فالراضي بالمعصية يحصل له إثم رضاه بها، ولا يحصل له إثم فعل غيره لها، ما لم تكن منه إعانة، أو تسبب، أو شيء من ذلك؛ لأن الله تعالى لا يظلم الناس شيئا، ولا يحمل على نفس وزر نفس أخرى، كما نطقت بذلك النصوص الكثيرة، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: فإن من الرضى ما هو كفر؛ كرضى الكفار بالشرك، وقتل الأنبياء، وتكذيبهم، ورضاهم بما يسخطه الله ويكرهه، قال تعالى: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم {محمد:28}، فمن اتبع ما أسخط الله برضاه وعمله، فقد أسخط الله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الخطيئة إذا عملت في الأرض، كان من غاب عنها ورضيها كمن حضرها، ومن شهدها وسخطها، كان كمن غاب عنها وأنكرها. وقال صلى الله عليه وسلم: سيكون بعدي أمراء، تعرفون وتنكرون، فمن أنكر، فقد برئ، ومن كره، فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، هلك. وقال تعالى: يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين {التوبة:96}، فرضانا عن القوم الفاسقين ليس مما يحبه الله ويرضاه، وهو لا يرضى عنهم. وقال تعالى: أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل {التوبة:38}، فهذا رضى قد ذمه الله. وقال تعالى: إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها {يونس:7}، فهذا أيضا رضى مذموم، وسوى هذا وهذا كثير. فمن رضي بكفره، وكفر غيره، وفسقه، وفسق غيره، ومعاصيه، ومعاصي غيره، فليس هو متبعا لرضى الله، ولا هو مؤمن بالله، بل هو مسخط لربه، وربه غضبان عليه، لاعن له، ذام له، متوعد له بالعقاب. انتهى.
واعلمي أن المسلم يحب من وجه، ويبغض من وجه، فيحب لما عنده من الدين والإسلام، ويبغض لما فيه من المعصية والمنكر.
ومن ثم؛ فمودة المسلم المرتكب لبعض المنكرات، لا حرج فيها، إذا كان الشخص ينهاه عن المنكر، ويعظه، ويذكره، ويتجنب مجالسته حال فعله للمنكر، ولكن عليه أن يتحرى المصلحة في ذلك، فإن كان هجره أصلح له، فليهجره، وإن كانت صلته ومودته أقرب لاستصلاحه وانزجاره، فلا حرج عليه في ذلك، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور، وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله:
فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته، كان مشروعا.
وإن كان لا المهجور، ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما، ويهجر آخرين. كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم؛ لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين، وتطهيرهم من ذنوبهم. انتهى.
وأما قول: "ما شاء الله"؛ خشية أن تصيبي متبرجة بالعين، فهذا مشروع، فإنك إنما تريدين بقاء النعمة عليها، لا بقاء المعصية.
وليس مجرد الحديث عن جمال امرأة متبرجة إذا كان على وجه مباح، رضى بتبرجها، ومعصيتها.
هذا، ونحذرك من التنطع، والغلو، والوسوسة في هذه الأمور، فإنها تفتح عليك بابا من أبواب الشر.
والله أعلم.