السؤال
أنا طبيبة صيدلانية، وخبيرة في مستحضرات الجلدية العلاجية، لا أفهم مسألة التقشير بصراحة، وقرأت فتاوى كثيرة، ولكني لا أفهم، في البداية أود توضيح أن جميع الكريمات التي تباع في الصيدليات للتفتيح لا تفعل شيئا أكثر من إرجاع اللون الطبيعي للبشرة الذي خلقه الله، ولو وضعته المريضة ألف سنة لن يفتح أكثر من الطبيعي، فهو لا يجعل فتاة حنطية بيضاء أو سمراء حنطية وهكذا، ولهذا لا أشعر بالذنب عند صرفه لأي عميلة تريد تفتيح بشرتها؛ لأنه لن يفعل شيئا إذا ما كان هذا لون بشرتها الطبيعي، ولكنه أحيانا يؤدي إلى تقشير الجلد، وليس بإزالة طبقة من الجلد ليظهر ما تحته، ولكنه يسرع من عمليه تجديد الخلايا بدلا من 28 يوما كالطبيعي، وهذا يؤدي إلى تقشير خلايا الجلد واحمراره قليلا جدا، وهذا التقشير مثل القشف، وليس أكثر من ذلك، وهو مناسب لأكثر البشرات حساسية، وغير مضر إطلاقا، وآمن للأماكن الحساسة بالجسم أصلا.
فسؤالي هو: ما حكم استعمال هذه الكريمات؛ لأن أغلبها تقشر؟ في السابق لم يكن لدي أي خوف من صرف هذه الكريمات، وترشيحها للعميلات؛ خصوصا أنها لا تغير خلق الله، وحتى لو كانت العميلة عندها ظن أنها سمراء عن لونها الذي خلقها الله به، فأنا أعطيها، وأقول لها هذا يرجع اللون الطبيعي، ولو الذي أراه هو الطبيعي، فلن يحدث شيئا.
ولكن الآن وبعد أن علمت بمسألة التقشير، فهل علي ذنب إذا كان هذا لون العميلة الأصلي وأخذت كريم تفتيح (لن يغير من لونها، ولكنه سيقشر تقشيرا خفيفا) ولا أحد يعلم ما هو لونه الأصلي أحيانا من التعرض للشمس، وكذا يتغير اللون. فالنساء تقول أريد أفتح بشرتي، وأرجعها للون طبيعي، ولكن هذا لونها الطبيعي. هل فهمت قصدي حضرتك؟
أرجو إفادتي؛ لأني خائفة جدا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان الأصل الذي يدور عليه الخلاف في مسألة قشر الوجه، وهو ما رواه الإمام أحمد عن السيدة عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن القاشرة والمقشورة. فراجعي في ذلك الفتوى رقم: 113708. وتجدين فيها الكلام عن صحة هذا الحديث، وخلاف أهل العلم في المسألة.
وأما ما ذكرته السائلة عن كريمات التفتيح، وأنها لا تغير اللون الطبيعي للجلد، وأن أثرها لا يعدو قشر الطبقة العليا من الجلد التي تغيرت بسبب التعرض للشمس ونحو ذلك، وأنه فقط يسرع من عملية تجديد الخلايا .. الخ.
فالظاهر أن السائلة تظن أن ما ذكرته عن أثر هذه الأدهان شيء جديد أو حادث، ولم يكن الناس قديما يعرفونه!! وهذا ليس بصحيح، فالغرض المقصود من هذه الأدهان هو هو الأثر المترتب على قشر الوجه المعروف قديما، ونظرة سريعة في كتب اللغة وغريب الحديث توضح ذلك، قال أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى: 224هـ. في كتاب (غريب الحديث): في حديثه عليه السلام أنه لعن القاشرة والمقشورة. قال أبو عبيد: نراه أراد هذه الغمرة التي تعالج بها النساء وجوههن حتى ينسحق أعلى الجلد ويبدو ما تحته من البشرة. اهـ.
وعلى هذا توارد اللغويون والشراح، كما قال ابن الأثير في النهاية: القاشرة: التي تعالج وجهها أو وجه غيرها بالغمرة ليصفو لونها، والمقشورة: التي يفعل بها ذلك، كأنها تقشر أعلى الجلد. اهـ.
فهل ترى السائلة فرقا في الغرض والأثر بين الكريمات المذكورة في السؤال، وبين الغمرة المذكورة في كلام أبي عبيد وغيره؟ قال أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة: قال الأصمعي: الغمرة: الورس، يقال: غمر فلان جاريته: إذا طلى وجهها بالورس وغيره. وقال الليث: الغمرة: طلاء يطلى به العروس .. وقال أبو سعيد: هو تمر ولبن يطلى به وجه المرأة ويداها حتى ترق بشرتها. اهـ.
وقال الدكتور صالح الفوزان في كتابه (الجراحة التجميلية عرض طبي ودراسة فقهية مقارنة) بعد أن ذكر معنى القاشرة في الحديث: وهذا المعنى قريب جدا من التقشير الكيميائي الحديث، إن لم يكن مثله مع اختلاف المادة المقشرة وعمق نفاذها في طبقات الجلد؛ إذ من الواضح أن قشر الوجه لم يكن يصل إلى طبقات عميقة من الجلد، وهو أقرب ما يكون إلى التقشير الكيميائي السطحي. اهـ.
ثم ذكر كلام الفقهاء وأدلتهم على تحريم القشر، ورجح عدم إطلاق الحرمة؛ لضعف الحديث المروي فيه، ولكون الضرر الذي يتوقع حصوله يمكن تجنبه بالإشراف الطبي للتحقق من المادة المقشرة، وقال: لذا لا يظهر لي إطلاق القول بتحريم قشر الوجه؛ لضعف أدلته، ولما جاء من حث المرأة على التزين لزوجها، ويندرج في عموم ذلك تحسين الوجه. اهـ. (ص 259 : 261).
وعلى أية حال، فحكم استعمال ذلك محل خلاف؛ بسبب ضعف حديث القاشرة، كما سبق أن أحلنا عليه في الفتوى رقم: 113708. وراجعي للفائدة الفتاوى التالية: 70684، 275329، 113708. ولمزيد التفصيل يمكن الرجوع لكتاب الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان: (المفصل في أحكام المرأة 3 / 362 : 364).
والخلاصة أن القول بجواز استعمال أدهان قشر الوجه قول سائغ معتبر، ويتأكد هذا في حق من يستعمله لإزالة عيب أو معالجة تغير طارئ، وليس على سبيل طلب الحسن وزيادة التجمل. وطالما جاز استعماله ولو في بعض الحالات، فلا حرج في بيعه في الصيدليات أو غيرها.
والله أعلم.