السؤال
أعرف أختا قرأت على الإنترنت في موقع إسلامي قولا لابن القيم يقول فيه: إن من عزم بقلبه على عدم ترك معصية ما أبدا، فإن هذا يجعله كافرا الكفر الأكبر -والعياذ بالله-، وتسأل الأخت: هل هذا يعني أن من أصر على بعض المعاصي، ولا سيما الكبائر، لا استحلالا، ولا عنادا، بل لغرض دنيوي، أو شهوة، وعزم على البقاء على ذلك، والتوبة لاحقا، هل يخرجه ذلك العزم من الملة؟ وبالنسبة لامرأة تزوجت من كافر، هل نحكم عليها ببقائها على الإسلام؛ رغم أنها تقيم على الزنى بذلك؟ نسأل الله الهداية.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الإصرار على الذنب -سواء كان زنى مسلمة مع كافر تحت مسمى الزواج، أو غيره - لا يكفر به المسلم، ما لم يستحل ذلك الذنب، وكذلك العزم على معاودة الذنب، وعدم التوبة منه، وليس استحلالا، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا للوعيدية من الخوارج، وغيرهم، وانظري الفتوى رقم: 130184 وما أحيل عليه فيها.
ومن البديهي أن الكلام المنسوب إلى الإمام ابن القيم باطل، فهو من علماء أهل السنة الكبار، فلا يمكن أن يقول قولا من أقوال الخوارج، فكيف وهو قد صرح بخلافه، كقوله في مدارج السالكين: الإصرار: هو الاستقرار على المخالفة، والعزم على المعاودة، وذلك ذنب آخر، لعله أعظم من الذنب الأول بكثير، وهذا من عقوبة الذنب أنه يوجب ذنبا أكبر منه، ثم الثاني كذلك، ثم الثالث كذلك، حتى يستحكم الهلاك. فالإصرار على المعصية معصية أخرى، والقعود عن تدارك الفارط من المعصية إصرار، ورضى بها، وطمأنينة إليها؛ وذلك علامة الهلاك، وأشد من هذا كله المجاهرة بالذنب مع تيقن نظر الرب جل جلاله من فوق عرشه إليه، فإن آمن بنظره إليه، وأقدم على المجاهرة، فعظيم، وإن لم يؤمن بنظره إليه، واطلاعه عليه، فكفر، وانسلاخ من الإسلام بالكلية، فهو دائر بين الأمرين: بين قلة الحياء ومجاهرة نظر الله إليه، وبين الكفر والانسلاخ من الدين؛ فلذلك يشترط في صحة التوبة تيقنه أن الله كان ناظرا - ولا يزال - إليه مطلعا عليه، يراه جهرة عند مواقعة الذنب؛ لأن التوبة لا تصح إلا من مسلم، إلا أن يكون كافرا بنظر الله إليه جاحدا له، فتوبته دخوله في الإسلام، وإقراره بصفات الرب جل جلاله. اهـ.
وقال أيضا في زاد المعاد: وأما أن المصر على المعصية فاسق مؤاخذ، فهذا إنما هو فيمن عمل المعصية، ثم أصر عليها، فهنا عمل اتصل به العزم على معاودته، فهذا هو المصر، وأما من عزم على المعصية، ولم يعملها، فهو بين أمرين: إما أن لا تكتب عليه، وإما أن تكتب له حسنة، إذا تركها لله عز وجل. وأما الثواب والعقاب على أعمال القلوب، فحق، والقرآن والسنة مملوآن به، ولكن وقوع الطلاق والعتاق بالنية من غير تلفظ، أمر خارج عن الثواب والعقاب، ولا تلازم بين الأمرين، فإن ما يعاقب عليه من أعمال القلوب، هو معاص قلبية، يستحق العقوبة عليها، كما يستحقه على المعاصي البدنية؛ إذ هي منافية لعبودية القلب، فإن الكبر، والعجب، والرياء، وظن السوء محرمات على القلب، وهي أمور اختيارية، يمكن اجتنابها، فيستحق العقوبة على فعلها، وهي أسماء لمعان مسمياتها قائمة بالقلب. اهـ.
والله أعلم.