السؤال
قمت بمحاورة قريب لي كبير في السن، محافظ على صلواته -والحمد لله-، وحاج لبيت الله، ولديه أطفال، وقال لي: أنا ضد أن يستقيم أولادي من الصغر، وأن يقوموا بأداء الصلاة، وضد ارتداء بناتي للحجاب، فيجب أن يعيشوا في هذه الحياة، ويستغلوا مرحلة شبابهم في مختلف ملذات الدنيا، وعندما يكبرون، ويصلون مرحلة الكهولة -50 سنة، 60 سنة- يستقيمون -أداء الصلوات في وقتها، وارتداء الحجاب، وحج بيت الله تعالى إن استطاعوا-، فلم أعرف كيف أرد عليه، فما رأي فصيلتكم في هذا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما أشد قبح ما قال هذا الشخص، وأعظم نكارته؛ فمن المعلوم بالضرورة، أن عبادة الله، وطاعته، واجبة على كل مكلف -شابا كان أو شيخا-.
وإن كان يقول هذا من باب الاتكال على رحمة الله، ونحو ذلك، فهذا خطأ عظيم، وضلال مبين، ثم إن ظنه أن السعادة، ونيل الملذات، إنما تحصل باتباع الشهوات، من أبين الغلط؛ فإن أعظم طرق السعادة هي ما تنال بطاعة الله تعالى، والقرب منه.
ومن حال بين الشباب وبين الاستقامة؛ فقد حال بينهم وبين أعظم أسباب سعادتهم في الدنيا قبل الآخرة، فإن طاعة الله تعالى هي سبيل شرح الصدور، وراحة النفوس، وطمأنينة القلوب.
ولما ذاق بعض الصالحين تلك اللذة، وعرفوا هذه الحلاوة، قالوا: مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أحسن ما فيها. وهو الأنس بالله، والقرب منه، ونحو ذلك. وقال بعضهم: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا، يقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم -والله- لفي عيش طيب. وقال بعضهم: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة؛ لجالدونا عليها بالسيوف. وراجع كلام ابن القيم حول هذا المعنى في كتابه: الوابل الصيب.
فإذا علمت هذا؛ فإن هذا الرجل يحول بين أبنائه وبين أعظم أسباب سعادتهم، وهو استقامتهم على شرع الله تعالى.
ثم إن كل عاقل يعلم أن الخواتيم مغيبة، وأن الآجال محجوبة، ولا يدري أحد متى يفجؤه أجله؟ فمن لهذا الشاب إذا أغريناه بالمعصية بأنه يكبر حتى يبلغ سن الكهولة، ثم من له إذا بلغ هذه السن أن يستقيم، ويتوب، وينزع عما هو فيه.
وليعلم أن التسويف، وتأخير التوبة، وتأجيل الطاعات من أعظم ما يضر بالإنسان؛ وذلك أنه كلما كبر ضعفت قوته، ووهن عزمه، وكان أضعف عن تحصيل شرط التوبة، ولقد أحسن من قال:
أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيام الشباب
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب ... دريس كالجديد من الثياب
ولا حاجة بنا إلى إطالة النفس في تفنيد هذا الكلام المنكر، فإنه بين النكارة والبطلان، فعليك أن تناصحه، وتذكر له المعاني التي أوضحناها، وتدعوه إلى التوبة إلى الله عز وجل من هذا الزعم الباطل، والقول المنكر.
والله أعلم.