السؤال
ماذا يعني أن يشرك الإنسان بشيء لا يعلمه، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بين لنا أنواع الشرك وأقسامه؟
وكيف يكون الاستغفار مما لا نعلمه، حيث إنه يتطلب الندم. فكيف نندم على شيء لا نعرفه؟ وهل فقط الشرك هو الذي لا نعلمه، أم الذنوب أيضا؟
ماذا يعني أن يشرك الإنسان بشيء لا يعلمه، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بين لنا أنواع الشرك وأقسامه؟
وكيف يكون الاستغفار مما لا نعلمه، حيث إنه يتطلب الندم. فكيف نندم على شيء لا نعرفه؟ وهل فقط الشرك هو الذي لا نعلمه، أم الذنوب أيضا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم مأمور بأن يستغفر لما لا يعلمه من الذنوب، وذلك يشمل ما يختلج في صدره من النيات السيئة كالرياء ونحوه، مما قد يغفل عنه العبد ولا يشعر به؛ لدقته وخفائه. كما جاء في حديث معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر، للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
ويشمل كذلك: ما يجهل العبد تحريمه وكونه ذنبا، ويكون مؤاخذا بتفريطه وتقصيره في التعلم.
ويشمل كذلك: ما ينساه العبد حين استغفاره من الذنوب التي اجترحها.
قال ابن القيم: المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة، وقل أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبة، ولا ينجي من هذا إلا توبة عامة، مما يعلم من ذنوبه ومما لا يعلم، فإن ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه، ولا ينفعه في عدم المؤاخذة بها جهله إذا كان متمكنا من العلم، فإنه عاص بترك العلم والعمل، فالمعصية في حقه أشد، وفي صحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر: فكيف الخلاص منه يا رسول الله؟ قال: أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم.
فهذا طلب الاستغفار مما يعلمه الله أنه ذنب، ولا يعلمه العبد.
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو في صلاته: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي لا إله إلا أنت. وفي الحديث الآخر: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، خطأه وعمده، سره وعلانيته، أوله وآخره. فهذا التعميم وهذا الشمول لتأتي التوبة على ما علمه العبد من ذنوبه وما لم يعلمه. اهـ. من مدارج السالكين.
وقال ابن رجب في شرحه لحديث: إذا كنز الناس الذهب والفضة، فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، وأسألك لسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب. أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم.
وقوله: "وأستغفرك لما تعلم" يعم جميع ما يجب الاستغفار منه من ذنوب العبد، وقد لا يكون العبد عالما بذلك كله، فإن من الذنوب ما لا يشعر العبد بأنه ذنب بالكلية؛ كما في الحديث المرفوع: "الشرك أخفى في هذه الأمة من دبيب النمل على الصفا. قالوا: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم" . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.
ومن الذنوب ما ينساه العبد ولا يذكره وقت الاستغفار، فيحتاج العبد إلى استغفار عام من جميع ذنوبه -ما علم منها وما لم يعلم- والكل قد علمه الله وأحصاه، فلهذا قال: "وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب". قال الله تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه}.
قال إبراهيم التيمي: لأنا على ذنوبي التي لا أذكرها، أخوف مني على الذنوب التي أذكرها! لأني أستغفر من التي أذكرها. اهـ.
واستغفار العبد من الذنوب التي لا يعلمها، لا ينافي الندم عليها.
والله أعلم.