الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على شفقتك على زوجك، وحرصك على هدايته، ورؤيته مترقيا في درجات الكمال في الاستقامة -نسأل الله تعالى أن يحقق ذلك، ويصلح لك زوجك، وهو سبحانه على كل شيء قدير-.
وعليك بالاستمرار في الدعاء، فبه يتحقق الرجاء، بإذن رب الأرض والسماء، وقد ورد إلينا منك سؤال قريب من هذا السؤال، وقد أجبناك عنه في الفتوى: 393055، ونضيف هنا ما يلي:
أولا: إذا ادعى زوجك أنه ذهب إلى المسجد، فالأصل صدقه، وسلامته من الكذب، فلا يجوز لك إساءة الظن به، قال الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم {الحجرات:12}، وصلاة الجماعة قد اختلف العلماء في حكمها، والأكثرون على عدم وجوبها، ومن أهل العلم من ذهب إلى وجوبها، وهو الذي نرجحه.
وعلى كل؛ فإننا نرجو الاستمرار في نصحه، مع الصبر عليه، والتلطف به؛ فذلك أدعى للتأثير عليه، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة، إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه.
وإن لم تكن عندك بينة على أنه لم يصل في المسجد، فالأصل أنه مصدق في ذلك، فلا تتكلفي البحث عن مدى صدقه فيما قال من عدمه، فإن هذا قد تكون له نتائجه العكسية، وقد يحدث فيه عنادا، ونحو ذلك.
ثانيا: سبق الكلام فيما يتعلق بالقات في جواب سؤالك السابق.
وأما الاهتمام بالمظهر، ونظافة الأسنان، والاستحمام، فناصحيه فيها أيضا بالحسنى، وبيني له أن ذلك من الفطرة، هذا بالإضافة إلى أن من حقك -بصفتك زوجة له- أن يتزين لك، كما تتزينين له، جاء في الأثر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: إني لأتزين لامرأتي، كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله تعالى يقول: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف {البقرة:228}.
قال القرطبي: والمقصود أن يكون عند امرأته في زينة تسرها، وتعفها عن غيره من الرجال. اهـ.
وما ذكرت من نفرتك منه: إن قصدت به منعك إياه حقه في الفراش؛ بسبب تأذيك بالرائحة، وكان الأذى شديدا، فلا إثم عليك في امتناعك عنه، جاء في الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي، وقد سئل عما إذا امتنعت الزوجة من تمكين الزوج؛ لتشعثه، وكثرة أوساخه، هل تكون ناشزة؟
فأجاب بقوله: لا تكون ناشزة بذلك، ومثله كل ما تجبر المرأة على إزالته؛ أخذا مما في البيان عن النص: أن كل ما يتأذى به الإنسان، يجب على الزوج إزالته. اهـ.
ثالثا: لا بأس بأن تتخيلي لو أن زوجك هذا رجل نظيف، أو لو أنك متزوجة من رجل نظيف، ولكن لو كان التخيل في رجل معين، فربما كان ذلك ذريعة للفتنة به، وقد جاء الإسلام بسد الذرائع إلى الفتنة؛ ولهذا جاء في الحديث أن تمني القلب من وسائل الزنى، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: معنى الحديث: أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنى، فمنهم من يكون زناه حقيقيا: بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازا: بالنظر الحرام، أو الاستماع إلى الزنى، وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد: بأن يمس أجنبية بيده، أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنى، أو النظر، أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية، ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب، فكل هذا أنواع من الزنى المجازي... اهـ.
والله أعلم.