توجيه للتي استخارت ربها ولم توفق في زواجها

0 47

السؤال

كنت مخطوبة لشاب (مكتوب الكتاب)، وبعد أشهر فسخ الخطبة واختفى، فشعرت براحة، ونسيت أمره، ثم بعد سنة عاد يطلبني مرة أخرى، فرفضت رفضا شديدا، لكنه أصر إصرارا عجيبا، فبدأت أستخير الله عز وجل كثيرا، وأستشير من حولي، وواجهتنا خلافات ومشاكل كثيرة، وكنت في كل مرة أقول: لا أريد، ولينته هذا الأمر، لكن الأمر استمر حتى تم، ونحن متزوجون منذ ٨ أشهر، وأنا حامل، والمشاكل والصعوبات أضعاف أضعاف وقت السكينة والراحة بيننا، ويراودني شعور بالندم، بل لا أكاد أنفك عن التفكير بالموضوع بأني تزوجته رغم رفضي، رغم معرفتي بأننا لسنا مناسبين لبعض، لكنه كان مصرا على أننا مناسبين، وأفكر دائما: هل هذا ما اختاره الله لي أم ما اخترته لنفسي؟ وهل هو قدر وامتحان من الله، أم أنا من وضعت نفسي في موضع كنت أشك أنه يناسبني؟
أعيش في ضيق وكدر، ولا تجف دموعي، فهو لا يكفيني لا ماديا، ولا معنويا، أو نفسيا، ولا حتى جسديا، ولا يهتم لتحسين وضعنا، ويكتفي بقول: جدي الحل، ونفذيه وحدك، مع العلم أنه ليس زواجي الأول.
أما عن الزواج الأول، فقد كان رائعا، دام لمدة شهرين، لكن الله قدر بالفراق بيننا، وزواحي هذا بعد ثلاث سنوات من الأول، وأنا لا زلت في عمر ال٢٥، فأرجو أن أجد من كلام الله على لسانكم ما يريح قلبي، ويرشدني لما يحب الله ويرضاه. جزاكم الله عنا كل خير، ووفقكم لما يحبه ويرضاه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله تبارك وتعالى أن ييسر أمرك، ويفرج كربك، ويصلح ما بينك وبين زوجك.

ونوصيك بكثرة الدعاء، فالأمر كله لله، وهو قد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، فقال: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين {غافر:60}، وانظري الفتوى: 119608، وهي عن آداب الدعاء.

 ونرجو أن تهوني على نفسك، ولا تحمليها ما لا تطيق بهذا القلق، والتوتر، وبما أنك حامل، فقد يكون في ذلك ضرر عليك، وعلى الجنين.

واستعيني بذكر الله سبحانه، ففي الذكر طمأنينة للنفس، وهدوء للبال، قال تعالى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب {الرعد:28}.

والنظر في أمر قد مضى وانقضى، والتفكير فيه، لا يجدي نفعا، والحسرة على الماضي، لا تدفع المكروه، بل تزيد المرء ألما على ألمه؛ ولذلك جاء في السنة هذا الأدب النبوي الرفيع، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز. وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت، كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان.

فدعي الماضي، ولا تعقدي مقارنة بين زواجك الأول والثاني؛ فإن هذا ربما يعود عليك بالضرر، والهم، واستشرفي المستقبل بالسعي في سبيل الإصلاح، مستعينة بربك بسؤاله الصلاح لزوجك، وأن يرزقه رشده وصوابه، واستعيني كذلك ببعض العقلاء من الناس ليناصحوه، ويذكروه بأنه مأمور شرعا بحسن عشرتك، كما في قوله تعالى: وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا {النساء:19}، عسى الله أن يبارك في المساعي، فتتحول حياة النكد والشقاء، إلى حياة سعادة وهناء، وذلك على الله يسير.

وبخصوص الاستخارة، فإننا لا نستطيع الجزم بما إن كان ما حصل هو اختيار الله عز وجل لك أم لا؛ لأن هذا من الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله.

وهي -أي: الاستخارة- نوع من الدعاء، فقد يأتي الخلل فيها من جهة الداعي نفسه، فلا يستجاب له، وقد ذكر أهل العلم في ضوابط الاستخارة خاصة، أن لا يقدم عليها المستخير وعنده ميل نفسي لأحد الأمرين المتردد فيهما، فيقبل بعد الاستخارة على فعل هذا الشيء الذي يهواه، فهذا خلل في هذه الاستخارة، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان له فيه هوى قوي قبل الاستخارة، وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر حديث أبي سعيد: ولا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ.

  وعلى كل؛ فإن كان هذا هو اختيار الله لك، فسيكون فيه خير لك، ويخفى عليك وجه الخير، ويبين لك فيما بعد بتبدل الحال إلى ما لا يخطر لك على بال، وقد يبارك لك في ذريتك، فعليك بالرضا، والتسليم، قال ابن القيم في زاد المعاد: الاستخارة توكل على الله، وتفويض إليه، واستقسام بقدرته، وعلمه، وحسن اختياره لعبده. وهي من لوازم الرضا به ربا، الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك، وإن رضي بالمقدور بعدها، فذلك علامة سعادته... اهـ.

 وما ذكرناه لا يعني أن تبقي معه على كل حال، فإن لم يصلح حاله، واستحالت العشرة، فلك الحق في طلب الطلاق للضرر.

واستخارتك لا تمنعك هذا الحق، ولعل الله عز وجل -بعد الفراق- يغني كلا منكما من فضله، قال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما {النساء:130}، قال القرطبي في تفسيره: أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات