العلم الحقيقي بضرر الذنوب يستوجب الندم والكف عنها

0 14

السؤال

قال الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (4/4) :
"اعلم أن التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتئم من ثلاثة أمور مرتبة: علم، وحال، وفعل.
فالعلم الأول، والحال الثاني، والفعل الثالث.
والأول موجب للثاني، والثاني موجب للثالث، إيجابا اقتضاه اطراد سنة الله في الملك والملكوت.
أما العلم، فهو معرفة عظم ضرر الذنوب، وكونها حجابا بين العبد وبين كل محبوب .
فإذا عرف ذلك معرفة محققة، بيقين غالب على قلبه: ثار من هذه المعرفة تألم للقلب؛ بسبب فوات المحبوب، فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه: تألم، فإن كان فواته بفعله، تأسف على الفعل المفوت، فيسمى تألمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندما .
فإذا غلب هذا الألم على القلب واستولى، انبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمى إرادة وقصدا إلى فعل له تعلق بالحال والماضي وبالاستقبال.
أما تعلقه بالحال، فبالترك للذنب الذي كان ملابسا.
وأما بالاستقبال، فبالعزم على ترك الذنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر .
وأما بالماضي، فبتلافي ما فات بالجبر والقضاء، إن كان قابلا للجبر .
فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي ثلاثة معان مرتبة في الحصول، فيطلق اسم التوبة على مجموعها .
وكثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده، ويجعل العلم كالسابق والمقدمة، والترك كالثمرة والتابع المتأخر، وبهذا الاعتبار قال عليه الصلاة والسلام: (الندم توبة) إذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه وأثمره، وعن عزم يتبعه ويتلوه، فيكون الندم محفوفا بطرفيه، أعني ثمرته ومثمره" انتهى .
قال ابن حجر :
" يكفي في التوبة تحقق الندم؛ فإنه يستلزم الإقلاع عن الذنوب، والعزم على عدم العود؛ فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه .
انظر: "فتح الباري" (13/ 471) .
الآن أنا أشعر بعد كل ذنب مباشرة بحرقة، وهذه الحرقة هل هي ندم؟و و( إن كانت ندما)، فلماذا لا يتبعها الإقلاع، ولا يتبعها عقد العزم على عدم العودة إلى الذنب.
ثم قول الغزالي إنه بعد العلم بضرر الذنوب فإن ذلك يستلزم الحال، كيف ذلك وكثيرون يعلمون أن الذنوب تضر ويعلمون كل شيء من أن الله شديد العقاب، ومع ذلك لا يندمون؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة، والسلام، على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما تشعر به نوع من الندم، لكنه ليس الندم الكامل المستلزم لترك الذنب، ولذلك لا يثمر ثمرته، ولا يؤتي أكله بل سرعان ما يزول أثره، فتعاود الذنب مجددا، وكذا ما ذكرته عن علم مرتكبي الذنوب بآثارها، وما تستوجبه من العقوبة، ثم هم لا ينتهون، فإن هذا علم غير تام، بل هو علم ناقص لكون القلب لم يتحقق به تمام التحقق، ولو تحقق القلب بتلك المعاني واستشعرها تمام الاستشعار فحضرت فيه صورة العقاب، وتمثل آثار الذنب تمثلا حقيقيا، لاستوجب ذلك الإقلاع عن الذنب ولا بد، فكلما كمل العلم بأثر الذنب، واستقر في القلب استتبعه الأثر ولا بد، وأما وجود أصل العلم في القلب فقد لا يقوى على مقاومة داعي الهوى، والنفس الأمارة بالسوء، وما يزينه الشيطان من تسويف التوبة والتمنية بمغفرة الله وعفوه ونحو ذلك حتى يكون العلم كاملا تاما، ولو تأملت عبارة أبي حامد لعرفت هذا المعنى، ولم يشكل عليك، فإنه رحمه الله يقول: أما العلم فهو معرفة عظم ضرر الذنوب وكونها حجابا بين العبد وبين كل محبوب، فإذا عرف ذلك معرفة محققة بيقين غالب على قلبه ثار من هذه المعرفة تألم للقلب إلخ. فليس المراد مجرد العلم للانكفاف؛ ولكن المراد معرفة محققة بيقين غالب على القلب، وكذا قوله في الندم: فإذا غلب هذا الألم على القلب واستولى انبعث من هذا الألم حالة أخرى تسمى إرادة.... إلخ. انتهى

 فما تشعر به من الألم، ووخز الضمير، ليس هو ما يريده أبو حامد، وإنما الندم الحامل على الكف عن الذنب، هو ما استولى على القلب، وغلب عليه، وليس مجرد هذا الألم العابر الذي سرعان ما ينقضي ويزول، ولبيان كيفية تحصيل الندم على الذنوب راجع فتوانا: 134518.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات