السؤال
ما حكم قول أحد التابعين: "لو عيرت رجلا بأن أرضعته كلبة؛ لخشيت أن أرضع من كلبة"؟ وهل هذا صحيح؟
ما حكم قول أحد التابعين: "لو عيرت رجلا بأن أرضعته كلبة؛ لخشيت أن أرضع من كلبة"؟ وهل هذا صحيح؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الجملة رويت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها لا تصح، فقد أخرج الخطيب في تاريخ بغداد: عن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البلاء موكل بالقول، فلو أن رجلا عير رجلا برضاع كلبة لرضعها. قال ابن الجوزي في الموضوعات: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ. وضعفه ابن رجب، والألباني.
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن إبراهيم، قال: قال: عبد الله: لو سخرت من كلب؛ لخشيت أن أكون كلبا. قال الشثري في تحقيق المصنف: منقطع، إبراهيم لم يدرك عبد الله. اهـ.
وفي مصنف ابن أبي شيبة أيضا: قال أبو موسى الأشعري: لو رأيت رجلا يرضع شاة في الطريق، فسخرت منه، خفت أن لا أموت حتى أرضعها. قال الشثري: حسن. اهـ.
وأخرج الدينوري في المجالسة عن التابعي عمرو بن شرحبيل قال: لو عيرت رجلا برضاع الغنم؛ لخشيت أن أرضعها.
وعلى كل حال؛ فهذه الآثار تدل على التحذير من الشماتة، وأن الشامت قد يعاقب بما شمت به!
وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي، عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. اهـ. وقال ابن الجوزي في الموضوعات: لا يصح. اهـ. وضعفه الألباني.
قال ابن القيم في الفروسية: فإذا رمى رسيله -منافسه في الرمي-، لم يبكته على خطأ، ولم يضحك عليه منه؛ فإن هذا من فعل السفل، وقل أن أفلح من اتصف به، ومن بكت، بكت به، ومن ضحك من الناس، ضحك منه، ومن عير أخاه بعمل، ابتلي به ولا بد. اهـ.
وقال ابن رجب في رسالته المسماة: "الفرق بين النصيحة والتعيير": من أشاع السوء على أخيه المؤمن، وتتبع عيوبه، وكشف عورته أن يتبع الله عورته ويفضحه، ولو في جوف بيته، كما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، وقد أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي من وجوه متعددة.
وأخرج الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تظهر الشماتة بأخيك، فيعافيه الله ويبتليك، وقال: حسن غريب.
وخرج أيضا من حديث معاذ مرفوعا: من عير أخاه بذنب، لم يمت حتى يعمله وإسناده منقطع. وقال الحسن: كان يقال: من عير أخاه بذنب تاب منه، لم يمت حتى يبتليه الله به.
ويروى من حديث ابن مسعود بإسناد فيه ضعف: البلاء موكل بالمنطق، فلو أن رجلا عير رجلا برضاع كلبة لرضعها. وقد روي هذا المعنى عن جماعة من السلف.
ولما ركب ابن سيرين الدين، وحبس به، قال: إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا، عيرت رجلا منذ أربعين سنة، فقلت له: يا مفلس. اهـ.
ولله أعلم.