السؤال
أود أن أسأل حول كيفية الجمع بين الآية التي تقول: (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) أي أن الله يرزق من يشاء، ويقدر على من يشاء. وآيات أخرى في القرآن تتحدث عن الرزق، وأننا يجب أن نطلب الرزق من الله، وهو يرزقنا بغير حساب، مثل آية: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم)، ومثلا آية: (لا نسألك رزقا نحن نرزقك).
فهنا الله يقول بأنه هو الذي يرزقنا، ورزقنا على الله، ويجب أن نتوكل عليه، ولكن في الآية الأولى يقول بأنه يرزق من يشاء، وهناك ناس لا يرزقهم، فكيف ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالرزق بأشكاله وأنواعه المختلفة إنما هو من الله تعالى وحده. ولا يستطيع أحد البقاء في هذا الوجود إلا برزق الله تعالى، فالهواء الذي نتنفسه، والماء الذي نشربه، والطعام الذي نأكله، والثوب الذي نلبسه، والدواء الذي نتناوله، والبيت الذي نسكنه، وغير ذلك من منافع الحياة الدنيا إنما هي من رزق الله تعالى، الذي لا ينفك عنه أحد، ولا يملكه غير الله أحد، كما قال تعالى: أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه [الملك: 21]. قال ابن كثير في تفسيره: أي: من هذا الذي إذا قطع الله رزقه عنكم يرزقكم بعده؟! أي: لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق، وينصر إلا الله، عز وجل، وحده لا شريك له. اهـ.
وقال سبحانه: يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض [فاطر: 3].
وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم [الأنعام: 151] فرزق الوالد والولد كليهما إنما هو على الله تعالى وحده. قال الماوردي في النكت والعيون: {نحن نرزقكم وإياهم} لأن رزق العباد كلهم من كفيل ومكفول على خالقهم. اهـ.
ومن هنا تعلم السائلة خطأها في قولها: (هناك ناس لا يرزقهم)! فالبشر جميعا يرزقهم الله، ولا ينفك أحد منهم عن رزق الله، ولكنهم بعد ذلك يتفاضلون فيه، فمنهم من يوسع عليه، ومنهم من يضيق عليه، كما قال تعالى: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق [النحل: 71] قال السعدي في تفسيره: يقول تعالى: كما أنكم مشتركون بأنكم مخلوقون مرزوقون، إلا أنه تعالى {فضل بعضكم على بعض في الرزق} فجعل منكم أحرارا لهم مال وثروة، ومنكم أرقاء لهم لا يملكون شيئا من الدنيا... اهـ.
وهذا المعنى يتكرر في القرآن، كما في قوله سبحانه: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا [الزخرف: 32] وقوله عز وجل: الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم [العنكبوت: 62] وغير ذلك من الآيات.
وهذا البسط والقبض مرتبطان بحكمة الله تعالى في قضائه وقدره، ومتعلقان بمشيئته سبحانه، كما في قوله تعالى: وترزق من تشاء بغير حساب [آل عمران: 27] قال ابن كثير: أي: تعطي من شئت من المال ما لا يعده ولا يقدر على إحصائه، وتقتر على آخرين، لما لك في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة والعدل. اهـ.
والله أعلم.