السؤال
أنا متزوج من سنتين، زواجا تقليديا، ولا أجد أي إحساس مع زوجتي، وأنفر في أغلب المرات من الجماع، ولا أشعر بها. فكنت أرغب في الطلاق من الشهر الأول، لكن الأهل رفضوا، وقالوا اصبر، فصبرت، وكل شهرين أو ثلاثة أقول ماذا أفعل؟ فأنا عاجز تماما، ولا شعور نحو زوجتي، فسيان عندي إن ذهبت، أو غادرت المنزل، أو عادت، وأشعر أنني مقصر معها في الواجبات الحميمية، لكن ماذا أفعل؟ لا أشتهيها مطلقا. هل إذا طلقتها أكون قد أصبت إثما. تعبت والله، تعبت نفسيا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن نجاح الحياة الزوجية لا يتوقف على كون الزواج تقليديا ( ليس مبينا على علاقة حب سابقة )، أو رومانسيا نتيجة لعلاقة حب، بل قد يحدث العكس تماما بنجاح الزواج التقليدي، وفشل الزواج الرومانسي، وقد خبرنا ذلك من خلال الأسئلة الكثيرة التي ترد إلينا. فوصيتنا لك أولا أن تهون على نفسك.
ثانيا: استحضر الأثر الذي ذكره المتقي الهندي في كنز العمال، ونسبه إلى رواية ابن جرير عن أبي غرزة أن عمر -رضي الله عنه- قال: ليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام.
فهنالك الكثير من المصالح التي يمكن تحقيقها من الزواج، فهو معاشرة على الأحساب ومعاشرة على الإسلام، وسبيل لإنجاب الذرية الطيبة الصالحة. ثم إن الحب يمكن أن يتحقق بعد أن لم يكن موجودا، كما أنه قد يذهب بعد وجوده، ومن وسائل إيجاده ما سنذكره في النقطة الثالثة.
ثالثا: انظر إلى الجوانب الإيجابية في زوجتك، فقد تجد الكم الكبير منها والغالب مقارنة بما قد يكون فيها من الصفات السلبية، ولهذا جاءت هذه الوصية العظيمة في السنة، ففي الحديث في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا، رضي منها آخر.
قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: أي: ينبغي أن لا يبغضها؛ لأنه إن وجد فيها خلقا يكره، وجد فيها خلقا مرضيا، بأن تكون شرسة الخلق، لكنها دينة، أو جميلة، أو عفيفة، أو رفيقة به، أو نحو ذلك. اهـ.
وقد تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- خديجة، وكانت أكبر منه بخمس عشرة سنة، تزوجها في عمر الأربعين، ومع ذلك أحبها لكثير من الصفات الطيبة فيها، وكان يقول:إني قد رزقت حبها. كما في صحيح مسلم. وفي مسند أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها، فأحسن الثناء، قالت: فغرت يوما فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق، قد أبدلك الله -عز وجل- بها خيرا منها. قال: ما أبدلني الله -عز وجل- خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله -عز وجل- ولدها إذ حرمني أولاد النساء. قال شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح وهذا سند حسن في المتابعات.
رابعا: إن كانت هذه المرأة صالحة ومستقيمة في دينها، فيمكنك أن تبقيها في عصمتك، وتنظر في أمر الزواج من أخرى، إن كنت قادرا على تحقيق شرط التعدد، وهو العدل بين الزوجات، كما قال تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة {النساء:3}.
خامسا: ننصحك بأن تبقيها في عصمتك ما أمكنك أن تفعل، وخاصة إن كنت رزقت منها الولد. فالطلاق يكره إن لم تدع إليه حاجة، وحرمه بعض العلماء، وإن دعت إليه حاجة، فلا بأس به.
قال ابن قدامة في المغني في تعداده لهذه الأقسام: الطلاق على خمسة أضرب، واجب وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفيئة، ومكروه وهو الطلاق من غير حاجة إليه. وقال القاضي: فيه روايتان: إحداهما أنه محرم، لأنه ضرر بنفسه وزوجته وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حراما كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. والثانية أنه مباح.... اهـ.
وإن قدر أن حصل الفراق، فقد يغني الله كلا منكما من فضله، فهو القائل سبحانه: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما {النساء:130}. قال القرطبي في تفسيره:أي: وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.
والله أعلم.