قطيعة الأم والأرحام توجب قطيعة الله

0 13

السؤال

لي أخ يتحدث مع فتاة منذ فترة بعيدة على الهاتف، ووسائل التواصل، ويبرر أفعاله بحجة وعدها بالزواج. فهل هذا يجوز؟
وسافر إلى الخارج، وقاطعنا، وقاطع والدته، ولا يكلمها بالأيام بسبب رفضها لارتباطة بتلك الفتاة. مع العلم أن والدنا متوفى، وترملت أمه على تربيته وتربيتنا، وتحملت ما لا يطاق، وفي الأخير يكون جزاؤها العقوق, ويقول إني أصلي، وليس في الدين إلا الصلاة، ويرفض النصيحة.
السؤال: هل يجوز التحدث مع فتاة أجنبية بحجة وعدها بالارتباط؟ وهل يجوز مقاطعة الأم من أجل أي شيء في الدينا؟ وما جزاء قاطع الرحم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

  فهذا الفعل لا يجوز، فمحادثة الأجنبية باب من أبواب الفتنة، ولذلك تحرم هذه المحادثة إلا لحاجة، ووفقا للضوابط الشرعية، وراجع الفتوى: 21582. ورغبته في الزواج منها لا تسوغ له ما فعل. وإن كان صادقا في هذه الرغبة، فليأت البيت من بابه، فيتقدم لخطبتها من وليها.

  ومقاطعته لكم تعني أنه قاطع لرحمه، والرحم أمرها عظيم، وقطيعتها نوع من الفساد في الأرض، وتوجب قطيعة الله سبحانه، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك ؟ قالت بلى يا رب، قال فهو لك. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(فاقرؤوا إن شئتم :{ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}.

والأدهى والأمر أن يكون مقاطعا لأمه التي حملته في بطنها، وتعبت وسهرت في حمله ووضعه ورعايته وتربيته، وهي محل وصية رب العالمين، قال تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين {الأحقاف:15}، فحقها عليه أن تكون حاله كحال هذا الرجل الصالح، لا حال من قال الله عز وجل عنه: والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين {الأحقاف:17}. 

هو إذن قد جمع بين أمرين عظيمين؛ وهما قطيعة الرحم، وعقوق الأم، ومن حق الوالدين -أبا كان أو أما- برهما والإحسان إليهما، ولو كانا كافرين، فلا تجوز قطيعتهما بحال، قال الله سبحانه: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون {لقمان:15}.

  وإن كان يصلي حقيقة، فالصلاة داعية للخير، ناهية لصاحبها عن الشر، كما قال الله في محكم كتابه: اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون {العنكبوت:45}، وقوله: ليس في الدين إلا الصلاة، إن أراد ظاهره فهو من افتراء الكذب على الله -عز وجل-، وذلك من أخطر الذنوب، قال تعالى: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون {الأنعام:21}.

وإن كان لا يقبل النصح، فهذا قد يكون علامة كبر وغرور، فقد قال تعالى عن بعض أصناف البشر: وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد {البقرة:206}.

فينبغي الاستمرار في نصحه، والأولى أن يقوم بذلك بعض فضلاء الناس وكبارهم ممن يرجى أن يكون لقولهم تأثير عليه، هذا مع الدعاء له أن يهديه الله ويتوب عليه، وخاصة الدعاء من قبل الوالدة، فإنه مستجاب، ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده. فإن تاب إلى الله وأناب، فالحمد لله، وإلا فليهجر إن رجي أن ينفعه الهجر. وانظر الفتوى: 21837.

 وما ذكر من رفض الأم ارتباطه بهذه الفتاة، إن كان المقصود به ترك محادثتها ونحو ذلك، فيجب عليه طاعتها في ذلك؛ لأن هذا التصرف في أصله محرم، كما أسلفنا، فيتأكد بنهي الأم عنه، وإن كان المقصود أن لا يتزوج منها، فالأصل أن يقدم طاعته لأمه على الزواج منها إلا إذا خشي - مثلا - أن يقع مع هذه الفتاة في المعصية؛ بسبب حبه لها، فيجوز له حينئذ الزواج منها، وإن غضبت أمه عليه فليسترضيها بكل سبيل مشروع. ولمزيد الفائدة راجع الفتوى: 93194. وعلى كل فلا تجوز مقاطعة الأم تحت أي مبرر .

  نسأل الله تعالى له الهداية والصلاح والتوفيق للرشد والصواب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة