هل يثاب المرء على نقل العلوم الدنيوية لغير المسلمين؟

0 23

السؤال

هل يثاب المرء على نقل العلوم الدنيوية -من الهندسة، وغير ذلك- لغير المسلمين؟ وهل ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له؟ جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالعلم المذكور في هذا الحديث يحتمل أن المراد به خصوص العلم الشرعي الموروث عن الأنبياء، قال أبو الحسن المباركفوري في شرح مشكاة المصابيح: المراد به العلم الشرعي. اهـ.

والظاهر أن العلم الشرعي، وإن كان هو الأفضل والأنفع، إلا أن الأجر ليس محصورا فيه، بل كل علم يحصل به نفع، ويثاب عليه صاحبه في حياته؛ فإنه يثاب عليه بعد مماته، إن خلفه صاحبه بعد موته ينتفع به الناس.

وإنما يثاب المرء على ما يريد به وجه الله تعالى، والدار الآخرة؛ لأنه "لا أجر إلا عن حسبة"، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراجع في ذلك الفتوى: 120085.

وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح بلوغ المرام: "أو علم ينتفع به" يعني: إذا مات الإنسان وانتفع الناس بعلمه بعد موته؛ فإنه يجري له أجره، سواء كان ذلك مما ينتفع به في الدنيا، أو مما ينتفع به في الآخرة؛ لأن الذي ينتفع به في الدنيا، فيه أجر، لكن الذي ينتفع به في الآخرة، أكثر أجرا، فإذا خلف الإنسان علوما شرعية، وانتفع الناس بها بعد موته، فهذا علم لا ينقطع.

إذا خلف علوما دنيوية ينتفع الناس به، كعلم الخياطة، وعلم البناء، وما أشبه ذلك، فإنه أيضا له أجره، كما لو زرع الإنسان زرعا، أو غرس غرسا وانتفع الناس به: أكلوا من ثمره، فإنه يؤجر عليه.

كذلك إذا انتفعوا بعلمه الدنيوي الذي ينفع الناس؛ فإنه يؤجر عليه، لكنه ليس كالأجر على العلم الشرعي الذي ينتفع الناس به في دينهم. اهـ.

وسئل في لقاء الباب المفتوح عن هذا الحديث: هل المراد به العلم الشرعي أم العلم الدنيوي؟

فأجاب: الظاهر أن الحديث عام، كل علم ينتفع به، فإنه يحصل له الأجر، لكن على رأسها وقمتها العلم الشرعي.

فلو فرضنا أن الإنسان توفي وقد علم بعض الناس صنعة من الصنائع المباحة، وانتفع بها هذا الذي تعلمها، فإنه ينال الأجر، ويؤجر على هذا. اهـ.

وسئل في فتاوى نور على الدرب: هل يدخل في ذلك العلم علوم الدنيا -كالفيزياء، والكيمياء، والرياضيات- أم هو مقيد بالشرعي؟

فأجاب: كل علم يثاب عليه العبد ثم يعلمه الآخرين، فإن المتعلمين منه، يثابون عليه، وإذا أثيبوا عليه، نال من علمهم بعد موته ما يستحق من الأجر.

وأما ما لا ثواب في تعلمه، فليس فيه أصلا ثواب حتى نقول: إنه يستمر. فمثلا علم التفسير، والتوحيد، والفقه، وأصوله، والعربية، كل هذه علوم يثاب الإنسان عليها، فإذا علمها أحدا من الناس، أثيب هذا المتعلم، فنال المعلم من ثوابه ما يستحقه. اهـ.

وهذا قيد مهم، فإن العلم الذي لا يؤجر عليه صاحبه وهو حي، كيف يؤجر عليه بعد موته؟!

ولذلك لا بد من مراعاة النيات والمقاصد في قضية التعليم، فقد قال الله تعالى: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون {هود:15-16}.

وسئل الشيخ عبد الكريم الخضير في دروس شرح كتاب: العلم لأبي خيثمة: هل هذا خاص بعلوم الشريعة، أو يتعدى إلى كل علم به نفع ..؟

فقال: على كل حال العلم الذي وردت النصوص بفضله، والحث عليه هو العلم الشرعي، المستفاد من كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، المورث للخشية، لكن العلوم الأخرى -الطب، والهندسة، والإدارة، وغيرها- شأنها شأن الحرف الدنيوية، والصنائع، والحروث، والزراعات، والتجارات، كل هذه أمور دنيا، إن نوي بها النية الصالحة بأن ينوي بها أن ينفع الآخرين، يؤجر على هذه النية. اهـ.

ولذلك سبق لنا التنبيه في الفتوى: 242068 على أن طلب العلوم الكونية والمدنية إن لم يقترن بنية صالحة، وغاية صحيحة، فهو داخل في العلم الذي لا ينفع صاحبه في الآخرة، وإن كان قد ينفعه في الدنيا، بخلاف من احتسب في طلب هذه العلوم، ونوى نفع نفسه، ونفع أمته، وتقويتها، وكفايتها ما تحتاجه في هذا المجال، فهو مأجور.

وعلى ذلك؛ فمن علم علما من العلوم الدنيوية النافعة، واحتسب في ذلك، وقصد به مقصدا شرعيا، فإنه يثاب على نيته، وقصده.

فإن مات وبقي علمه ينتفع به الناس، جرى عليه ثوابه بعد موته، كما جرى عليه في حياته. 

وإذا كان المتعلمون غير مسلمين، وهم الذين انتفعوا بالعلم بعد موت صاحبه، فالذي يظهر لنا شمول الكلام السابق لهذه الحالة أيضا، فإذا كانوا ممن يؤجر المسلم إذا تصدق عليهم، فكذلك يؤجر إذا نفعهم بعلم يشرع تعليمه لهم، وانظر للفائدة الفتويين: 126756، 160397.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة