السؤال
أعمل في صيدلية يقوم صاحبها بإزالة علامة الخصم من الشركة على بعض المنتجات، ويبيعها بنفس السعر دون تخفيض، فما حكم ذلك؟
أعمل في صيدلية يقوم صاحبها بإزالة علامة الخصم من الشركة على بعض المنتجات، ويبيعها بنفس السعر دون تخفيض، فما حكم ذلك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي السؤال إجمال، ينبني عليه وجود احتمالات متعددة، ولا يمكننا فرضها وتتبعها جميعا؛ لأن ذلك قد يشعب الفتوى على السائل، وقد لا يكون لبعض الاحتمالات صلة بالواقع المسؤول عنه.
ولذا سنكتفي بفرض أقربها -حسبما يظهر لنا- وهو أن صاحب الصيدلية وكيل عن الشركة في بيع الأدوية، وتحدد له سعرا معينا ليبيع به، لكنه لا يلتزم بذلك، فيزيل سعرها، ويبيع بالسعر الذي يحدده هو.
وإذا كان كذلك؛ فالأصل أن يلتزم بالسعر الذي حددته له الشركة، وليس له مخالفة ذلك؛ لأن الظاهر أن للشركة في التخفيض غرضا معتبرا: إما الإرفاق بالمشتري، أو الترويج للبضاعة. ويكون التحديد بمثابة النهي له عن الزيادة، جاء في روضة الطالبين: ولو نهاه "أي: الموكل" عن الزيادة صريحا، لم يزد قطعا. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: إذا باع الوكيل بأكثر من الثمن المحدد له، وكانت الزيادة من جنس الثمن، فإن البيع يكون صحيحا عند جمهور الفقهاء (الحنفية، والمالكية، والحنابلة، والشافعية في المذهب)؛ لأن المخالفة هنا إلى خير، فلا تكون مخالفة في الحقيقة، ولأن المفهوم عرفا إنما هو منع النقص. وزاد الشافعية: إلا أن يصرح بالنهي عن الزيادة، فتمتنع؛ لأن النطق أبطل حق العرف. وفي قول عند الشافعية: لا يجوز له أن يزيد؛ لأن المالك ربما كان له غرض في إبرار قسم. اهـ.
مع أنه لو زاد على السعر المحدد، فالزيادة للشركة؛ لأنه وكيل عنها في بيع سلعتها، قال صاحب الكفاف -من علماء المالكية-:
وإن يزد فالزيد للموكل لا لوكيله الذي لم يعدل.
وأما إذا كان صاحب الصيدلية غير وكيل عن الشركة، وإنما يشتري منها البضاعة ثم يبيعها، فالأصل أن له أن يبيع بالسعر الذي يشاء، لكن لو اعتبرنا أن التخفيض الذي تحدده الشركة بمثابة الشرط على صاحب الصيدلية ألا يبيع إلا بذلك السعر؛ فهل يجب عليه الالتزام بالسعر والتخفيض الذي تحدده الشركة أم لا يجب؟
جمهور العلماء على أن مثل هذا الشرط لا يصح؛ لأنه مخالف لمقتضى البيع عندهم، وإنما اختلفوا: هل البيع صحيح والشرط باطل، أم البيع باطل لا يصح أصلا؟ وقد بينا أقوالهم في الفتوى: 49776.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى صحة مثل هذا الشرط، ولزوم الوفاء به، ما دام لم يخالف الشرع، وكان فيه مصلحة للبائع -كأن تكون للشركة مصلحة في التخفيض، كالدعاية للشركة، وترويج بضاعتها، وتحسين سمعتها، ونحو ذلك-، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وتصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود.
سأل أبو طالب الإمام أحمد عمن اشترى أمة بشرط أن يتسرى بها، لا للخدمة؟ قال: لا بأس به.
وهذا من أحمد يقتضي أنه إذا شرط على البائع فعلا أو تركا في البيع مما هو مقصود للبائع أو للمبيع نفسه؛ صح البيع والشرط، كاشتراط العتق، وكما اشترط عثمان لصهيب وقف داره عليه، ومثل هذا: أن يبيعه بشرط أن يعلمه، أو شرط أن لا يخرجه من ذلك البلد، أو شرط أن لا يستعمله في العمل الفلاني، أو أن يزوجه، أو يساويه في المطعم، أو لا يبيعه، أو لا يهبه. اهـ. من الأخبار العلمية من اختيارات ابن تيمية للبعلي.
وهذا ما أفتينا به في الفتوى: 69204.
وعلى كل حال؛ فإن كان النظام يمنع من تغيير أسعار الأدوية؛ مراعاة للمصلحة الظاهرة العامة للناس، فيجب التقيد بالنظام، ولا يسوغ مخالفته، والاحتيال عليه، وانظر في هذا الفتويين: 208870، 153965.
والله أعلم.