الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من وكل بمال للتصدق به فاشترى به أغراضا من تجارته ثم تصدق بها

السؤال

عندما يعطيك شخص ما مبلغًا صغيرًا، حوالي 100 دولار، للتصدق به، وأنت كصاحب محل تأخذ أغراضًا من محلك بنفس القيمة المالية التي أعطاك إياها، فهل يجوز لك كصاحب محل أن تربح من هذه الأغراض كأنك بعتها، ثم تتصدق بها؟ أم يجب أن تحسب قيمة الأغراض دون ربح؟ مع العلم أنه لم يشترط عليك التوزيع النقدي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصاحب المحل في مثل هذه الحال وكيل عن المتصدق بهذا المبلغ، والأصل أن يتصدق بالمبلغ نقدا كما أعطاه الموكل، ولا يشتري به أشياء يتصدق بها على الفقراء، ولا يكفي مجرد عدم اشتراط التوزيع النقدي، بل يحتاج الأمر إلى إذن خاص في الشراء، أو شيوع ذلك وجريان العرف به؛ لأنه تصرف في المال، فيحتاج إلى إذن الموكل.

قال ابن قدامة في (المغني): لا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن موكله، من جهة النطق أو من جهة العرف؛ لأن تصرفه بالإذن، فاختص بما أذن فيه. والإذن يعرف بالنطق تارة، وبالعرف أخرى. اهـ.

ثم إذا أذن الموكل في شراء ما يوزَّع على الفقراء، فلا يصح للوكيل أن يشتري من نفسه إلا بعلم موكله وإذنه، على خلاف بين أهل العلم في ذلك، ولو مع إذن الموكل.

قال ابن قدامة في المغني: إذا أذن للوكيل أن يشتري من نفسه، جاز له ذلك. وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: لا يجوز؛ لأنه يجتمع له في عقده غرضان: الاسترخاص لنفسه، والاستقصاء للموكل، وهما متضادان، فتمانعا. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في حكم شراء الوكيل لموكله من ماله الخاص به، أو من مال الذين لا تقبل شهادتهم للوكيل. فذهب الحنفية إلى أن الوكيل بالشراء لا يملك الشراء من نفسه لموكله، حتى ولو أذن له الموكل في ذلك، لأن الحقوق في باب البيع والشراء ترجع إلى الوكيل، فيؤدي ذلك إلى الإحالة، وهو أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلمًا ومتسلمًا، مطالبًا ومطالبًا، ولأنه متهم في الشراء من نفسه ...

وعند المالكية في المعتمد والحنابلة في المذهب: شراء الوكيل للموكل مما يملكه الوكيل لا يصح، لأن العرف في الشراء شراء الرجل من غيره، فحملت الوكالة عليه وكما لو صرح به، ولأنه يلحقه به تهمة ويتنافى الغرضان في شرائه مما يملكه لموكله فلم يجز كما لو نهاه.

ويستثنى من ذلك ما إذا أذن الموكل للوكيل أن يشتري مما يملكه حيث قالوا بجوازه لانتفاء التهمة، فيصح للوكيل أن يتولى طرفي العقد في هذه الحالة لانتفاء التهمة ...

وفي قول عند المالكية يجوز شراء الوكيل من نفسه إن لم يحاب نفسه. وعن أحمد: يجوز كما لو أذن له على الصحيح، أو وكل من يشتري حيث جاز التوكيل ...

وقال الشافعية: الوكيل بالشراء مطلقًا لا يشتري لموكله مما يملكه الوكيل أو ولده الصغير أو أحد محاجيره ولو أذن له، لأن الأصل عدم اتحاد الموجب والقابل وإن انتفت التهمة، ولأنه لو وكله ليهب من نفسه لم يصح وإن انتفت التهمة، لاتحاد الموجب والقابل. اهـ.

وعلى ذلك؛ فلا يجوز لصاحب المحل أن يشتري من نفسه، إلا إن أذن له موكله بذلك. وفي هذه الحال يشتري بسعر المثل دون محاباة لنفسه، فيربح كما يربح عامة التجار، ولا يلزم أن يشتري بالسعر الذي اشترى به هو دون ربح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني