نصيحة لمن ابتليت بزوج مقصّر في النفقة ورعاية الأولاد ومسيء للعشرة

0 18

السؤال

مشكلتي باختصار: منذ أن تزوجت وزوجي بخيل علي معنويا وماديا، ولا جدوى من كل محاولاتي لتفهيمه الوضع، فهو لا يشعر أن هناك مشكلة، بل يتذمر من شكواي، واستنجدت بأهله، ولا جدوى، وأنا أعمل وأصرف كل راتبي، وهو لا يساندني، ولا يتفهم ذلك.
أنا عندي ثلاثة أبناء في المراحل التعليمية، وطفل رضيع، وأدفع كل نفقاتهم -من تعليم، وكسوة، وألبان صناعية، وعلاج، ودروس خصوصية، وكل شيء- حتى أصل لنهاية الشهر وأنا لا أملك شيئا؛ لدرجة أني أطلب منه أن يعطيني مالا سلفا، أو يتصرف من أحد معارفه، ولكنه لا يبالي، بل يستحل كل شيء أحضره أو أشتريه، ويتعامل معي بقسوة، وغلظة، ويضغط علي؛ لأن عملي تدريس، فيتهمني بحرمة عملي، والمواصلات، مع أني أرتدي الحجاب الشرعي، ولا أختلط مع أحد، وأذهب للعمل ثلاثة أو أربعة أيام فقط.
وتارة يتهمني أني سبب منع رزقه من الله بسبب عملي، وأنه لولا عملي لكان هو صاحب النجاح والرزق.
وهو يعطي مبلغا بسيطا جدا، إجماليه شهريا600 جنيه مصري فقط، وأتذلل له حتى يساهم معي بقدر في الكسوة، وبعد عناء رهيب.
ووعوده كاذبة، فهو شخص يخفي عني كل شيء، ويخبئ محتوياته الشخصية عني، ويمنعني من تنظيف خزانته، وإذا قمت بذلك يتهمني بأني أفتش، ويخفي عني راتبه، أو أي مكافآت يحصل عليها، ولا يتحدث معي لا عن ماضيه، ولا عن حاضره، وحين أتكلم وأتودد معه، يقول بالنص: "أنت لا تملين من الكلام".
وحياته عادية -روتينية- منذ زواجي: يعمل، ويأكل، ويجلس مع والدته وإخوته، ويتركني بمفردي، ثم يجلس على الجوال، وينام.
ولا يفكر في تعليم أبنائه الصلاة، أو الدين، ولا يقيم معهم حوارا.
ولا خروج، ولا ترفيه، ولا ألعاب، ولا ضحك، ولا يفكر في أي شيء يسعدهم، ولا يفكر في مستقبلهم، وحين أشكو يتهمني أني سيئة، ويتركني، ويذهب لوالدته، أو ينام.
ويهرب من المشكلات؛ لذلك تراكمت طوال عشر سنوات كمية من الغضب.
ولا أخفي عليكم، فقد وصلت لمرحلة كرهي له، والدعاء عليه، وتارة أدعو على نفسي، وأنا كنت ملتزمة -بفضل الله- قبل زواجي به.
ومع أنه خريج شريعة، لكني لا أجد في معاملاته سوى البيئة التي تربى عليها.
أنا أعلم أن الأجر من الله، ولكني بسبب كثرة المشاكل أحسست أن الله غضب علي، وأن أجر عملي ضاع.
ولا أستطيع أن أسيطر على غضبي، فردوده الباردة تجرحني، وتثير غضبي.
أريد أن أذهب إلى بيت أهلي، ولكن أمي تتضايق من أولادي، وجربت ذلك من قبل، فهي تتحمل أبنائي وأنا في العمل بصعوبة، فما بالكم إذا غضبت، فماذا أفعل؟ فصبري وإيماني ضعفا جدا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

  فخلاصة ما ذكرت عن زوجك - إن صح ذلك عنه -: أنه مقصر فيما يجب عليه تجاهك، وتجاه أولادك في النفقة، والرعاية، ومسيء لعشرتك، مخالفا في ذلك لما أمر الله سبحانه به في محكم كتابه، حيث قال: وعاشروهن بالمعروف {النساء:19}، وهذه المعاشرة بالمعروف تحمل كل معنى حسن يكون من الزوج لزوجته، قولا كان أم فعلا، ويمكن مطالعة الفتوى: 134877.

وإذا كان زوجك قد درس الشريعة، فاللائق بمثله أن يكون قدوة صالحة لغيره، فمن لا يعمل بعلمه، قد يكون هذا العلم وبالا عليه يوم القيامة، ومن تعلم ولم يعمل بعلمه، فقد تشبه باليهود، قال المناوي في فيض القدير: كان السلف -كسفيان بن عيينة- يقولون: من فسد من علمائنا، ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا، ففيه شبه من النصارى. اهـ.

 وأولى ما نوصيك به: الصبر، فهو من أفضل ما يتسلى به عند البلاء، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، ويكفي أن فيه تكفيرا للسيئات، ورفعة للدرجات، وراجعي الفتوى: 18103.

ومما يعينك على الصبر: كثرة الذكر؛ فالذكر يطرد الشيطان، ويقمعه، ويكسره، ويرضي الرحمن عز وجل، ويزيل الهم والغم عن القلب، ويجلب للقلب الفرح، والسرور، كما ذكر ابن القيم في كتابه: الوابل الصيب، وهو يعدد فوائد الذكر.

والدعاء خير سلاح، فتوجهي لربك، واسأليه الهداية لزوجك، وسلوكه سبيل الرشاد، وصلاح حاله؛ فصلاحه خير لك، ولولدك، وراجعي الفتوى: 119608، ففيها بيان آداب الدعاء وأسباب إجابته.

وأما دعاؤك عليه - وهو ظالم لك -، فجائز، ولكن العفو أفضل، كما بينا في الفتوى: 27841.

والدعاء على النفس منهي عنه، وأي خير ترجينه بدعائك على نفسك!

فالواجب عليك الانتهاء عن ذلك، وسؤال الله عز وجل العافية من كل بلاء، وراجعي الفتوى: 188093، والفتوى: 221788.

 ونوصيك أيضا بأن تسلطي على زوجك بعض المقربين إليه، ومن لهم مكانة عنده؛ ليقوموا بنصحه، عسى أن ينفعه ذلك، ويثوب لرشده وصوابه، فإن تم ذلك، فالحمد لله، وإلا فارفعي الأمر للقضاء الشرعي، إن رأيت أن ذلك أصلح لك، ولا تقدمي على ذلك إلا بعد استشارة العقلاء والناصحين.

  وننبه في الختام إلى أمرين:

الأول: أن نفقة الزوجة وأولادها واجبة على الزوج بالمعروف.

 ولا يلزم الزوجة أن تنفق على نفسها، ولا على أولاده، ولو كانت غنية، إلا أن تشاء بطيب نفس منها، وتراجع الفتوى: 19453، والفتوى: 9116.

الثاني: ليس من حق الزوج أن يدعي حرمة عمل زوجته من غير دليل.

 وادعاؤه أنه لولا عمل زوجته؛ لكان هو صاحب النجاح والرزق، رجم بالغيب، وتدخل في أمر هو من شأن رب العالمين، فلا يجوز له ذلك، والأولى به أن يتوجه إلى ربه، ويسأله من فضله، قال تعالى: واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما {النساء:32}. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة