الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في سنن الترمذي وغيره: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة. صححه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح.
وفي مجمع الزوائد للهيثمي: وعن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لله في كل يوم وليلة عتقاء من النار في شهر رمضان، وإن لكل مسلم دعوة يدعو بها فيستجاب له. قلت: رواه ابن ماجه باختصار الدعوة. رواه البزار، ورجاله ثقات. اهـ
والعتقاء من النار في رمضان هم من صائمي هذا الشهر, فيرجى لمن أحسن صيامه أن يكون منهم.
قال المناوي في فيض القدير: (إن لله تعالى عند كل فطر) أي: وقت فطر كل يوم من رمضان وهو تمام الغروب (عتقاء) من صائمي رمضان (من النار) أي: من دخول نار جهنم (وذلك) يعني العتق المفهوم من عتقاء (في كل ليلة) أي: من رمضان؛ كما جاء مصرحا به في روايات أخر، وهذا أيضا معلم بعظم فضل الشهر وصومه. اهـ
وهناك بعض الطاعات التي يكون فعلها سببا في العتق من النار, فمن فعلها في رمضان يرجى أن يكون من العتقاء فيه من النار, ومن هذه الطاعات:
1ـ المحافظة على إدراك تكبيرة الإحرام في الجماعة أربعين يوما؛ كما جاء في الفتوى: 166027.
2ـ المحافظة على أربع ركعات قبل الظهر, وأربع بعده. وانظر الفتوى: 37136.
3ـ البكاء من خشية الله تعالى؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان نار جهنم. رواه النسائي في السنن, وصححه الشيخ الألباني.
4ـ تربية البنات, والإحسان إليهن. وراجع في ذلك الفتوى: 50942.
5ـ المحافظة على صلاتي العصر, والصبح، وقد فسر بذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: من صلى البردين دخل الجنة. متفق عليه
وانظر المزيد في الفتوى: 2323. وهي بعنوان "أكثر من الأعمال الصالحة عسى أن تكون من العتقاء من النار"
أما عن معرفة الشخص بأنه من عتقاء الله تعالى من النار, فهذا من أمور الغيب, ولا يمكن الاطلاع عليه. فلا يقطع لشخص معين بدخول النار أو الجنة إلا بنص شرعي. ففي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ عبد الرحمن البراك: وقوله: (ولا ننزل أحدا منهم جنة ولا نارا) أي: لا نشهد لأحد من أهل القبلة من المسلمين بأنه من أهل الجنة لصلاحه، ولا نشهد على أحد منهم بأنه من أهل النار لمعصية أو بدعة، بل نفوض علمهم إلى الله، فهو تعالى أعلم بمآلهم وبحالهم، ولا نشهد بالجنة إلا لمن شهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم-. انتهى
والله أعلم.