السؤال
أبحث عن الخطوات العملية للتوكل.
ذهبت إلى منهاج القاصدين لابن الجوزي، فوجدت أنه ذكر شيئا عمليا للتوكل، فبدأ بالتوحيد (توحيد الربوبية) الذي هو أصل التوكل، ثم تكلم عن العلم (الذي هو التوحيد) والحال والعمل، وأن تحقيق التوكل متدرج ومترتب في هذه الثلاث.
ما أريده أن تبدأ معي من الصفر في الخطوات العملية للتوكل، إذا كان التوكل يبدأ بالعلم (الذي هو التوحيد) فأنا جاهل بموضوع التوحيد تماما، وبالجزء منه الذي يقوم عليه التوكل، ثم الحال، ثم العمل؟
أرجو التفصيل.
ما هي الخطوات العملية للتوكل؟
كيف أبلغ أعلى منزلة في التوكل: توكل الصديقين؟
أيضا بالنسبة لموضوع النفع والضر من الله، لا أفهمه أبدا. أعلم أن الله يضر وينفع، لكن المخلوق أيضا يضر وينفع بحدود قدرته.
فهل من خطأ في أن أعتقد ذلك؟
أخيرا: كيف أعتمد وأفوض الأمر إلى الله؟ هل أقول قبل بدء العمل "يا الله توكلت عليك"، لأنك عندما تريد تفويض وتوكيل واعتماد إنسان في أمور الدنيا، فإنك تعلم ما تفعله في ذلك، مثل أن تعطيه وكالة شرعية لأملاكك ليديرها، فتذهب إلى المحكمة وتوكله عند مكتب العدل وتقول للموظف: وكلت فلانا بن فلان، لكن أنت لا تعلم كيف تفعل نفس الأمر قلبيا مع الله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوكل هو العلم بكفاية الرب تعالى للعبد، ويحصل التوكل بالعلم الجازم بأن كل شيء مملوك لله تعالى، وأنه وحده المتصرف في هذا العالم، ثم العلم مع ذلك بسعة رحمته، وأنه أرحم بعبده من الأم بولدها.
فإذا علم العبد بأن الله غني وأنه قدير، وأنه رحيم. وعلم أنه لا يعجزه سوق ما فيه مصلحته إليه؛ فوض أمره إلى ربه تعالى، موقنا بحسن تدبيره وجميل اختياره.
وعلم أن اختياره له خير من اختياره لنفسه؛ لأن الأمر كما قال الله: والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة:216}، {البقرة:232}، {آل عمران:66}، {النور:19}.
ولبيان معنى التوكل، راجع الفتوى: 357112، وراجع منزلة التوكل بطولها من مدارج السالكين ففي ذلك نفع عظيم إن شاء الله.
وأما ما ذكرته من جهلك بالتوحيد، فعلاجه: أن تتعلم ما يلزمك تعلمه. ونوصيك بقراءة سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة، للأشقر.
وأما ما ذكرته من كون العباد ينفعون أو يضرون: فإن العباد مجرد أسباب، وحصول النفع أو الضرر منهم إنما هو بخلق الله وتقديره، فالله هو خالق السبب والمسبب، ولا ينفي هذا أن الله خلق للعباد مشيئة وقدرة وإرادة بها تقع أفعالهم، لكن الكل مخلوق لله تعالى.
ولكون الناس ينفعون ويضرون ظاهرا، شرع لنا شكر من يحسن إلينا، لكن مع هذا فينبغي أن يكون القلب ملتفتا إلى أن المسبب هو الله وحده سبحانه، وهو الذي أجرى الخير على يد هذا المخلوق، وجعله سببا لذلك، وكذا يقال في جانب الشر.
ثم اعلم أن التوكل ليس لفظا يقال باللسان، لكنه أمر باطني يتحقق به القلب، فمهما قال العبد بلسانه: توكلت على الله، وقلبه خلو من ذلك؛ فإن هذا لا ينفعه، والله مطلع على السرائر وما تكنه الضمائر.
فإذا اطلع من قلبك على التفويض والتوكل عليه وحده، لم تحتج مع ذلك إلى قول باللسان، ثم إنك تقول في كل ركعة من ركعات صلاتك: إياك نعبد وإياك نستعين {الفاتحة:5}.
فعليك أن تتحقق بهذه الآية، فلا تستعين إلا بالله تعالى على أمورك كلها، عالما أنه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو سبحانه وبحمده.
والله أعلم.