السؤال
أنا إنسانة مؤمنة بالله، لكنني -مع الأسف- كنت أتعمق في أمور المرأة في الإسلام، وكلما تعمقت وجدت أشياء كثيرة تجرحني، ولا يمكنني أن أحبها؛ لأنها تشعرني بأني ذليلة، ومهمشة في هذا الدين.
لا أريد توضيحا عن تكريم الله المرأة؛ لأنني قرأت جميع الفتاوى، ولم يشف ذلك غليلي، أو يقلل ألمي، فهل ما يرد على قلبي من الألم تجاه صورة المرأة في الإسلام، يعد كفرا؟ وإن كان كفرا، فكيف لي أن أتحكم في ما يبغض قلبي أو يحب؟ وكيف لقلب أي إنسان أن يحب ما يشعره بأنه ذليل، أو قليل القيمة؟ وهل يحاسب الله العبد بشعور لا يملكه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأخت السائلة -وفقها الله، وألهمها رشدها- لا تريد توضيحا عن تكريم المرأة في الإسلام؛ لأنها قرأت جميع الفتاوى ولم تشف غليلها، وهذا لا يعني صحة أفكارها، ولا صواب طريقتها، وإنما يعني أنها بحاجة لمدارسة هذه القضية، ومطالعة الكتب الخاصة بها، ومناقشة أهل العلم والخبرة؛ فإن مجال الفتوى لا يناسب البحث والمدارسة والتفصيل المستوعب، وإنما هو مقام إجمال واختصار.
وأما سؤالها فجوابه يختلف بحسب واقع الحال، وما يستقر في القلب من معاني المحبة والرضا أو الكره والسخط، وعلى أي شيء ينصب؟ وبأي شيء يتعلق؟ فقد يكره المرء من حيث الطبع أثر حكم شرعي، ومع ذلك يقبله، وينقاد له، كما يمكن أن يحب شيئا حبا شرعيا مع استثقاله، ونفور نفسه منه عمليا لا نظريا، وذلك أن الكره طبعا لا يتعارض مع القبول شرعا، والمحبة طبعا لا تتعارض مع الإنكار شرعا، فقد تحب النفس معصية، وتميل إليها طبعا وجبلة، وتنكرها وترفضها شرعا وديانة، وقد تكره طاعة وتنفر عنها طبعا وجبلة، وتقبلها وتقبل عليها شرعا وديانة، كما سبق أن بيناه في الفتويين: 328867، 214216.
ومن أمثلة ذلك: كره المرأة لزواج زوجها عليها! فلا تعارض بين قبول ذلك والتسليم له واعتقاد حله، وبين كره الطبع له واستثقاله ونفور المرأة منه، بسبب الغيرة، وانظري الفتوى: 138438.
والذي يهمنا الآن هو لفت نظر الأخت السائلة التي افتتحت كلامها بقولها: (أنا إنسانة مؤمنة بالله) إلى أن الإيمان بالله تعالى ينبني في الأصل على اعتقاد اتصافه سبحانه بكل كمال -كالعلم، والحكمة، والعدل، والرحمة- وتنزهه عن كل نقص -كالظلم، والحيف، والنسيان، والجهل- سواء في ذاته أو صفاته أو أفعاله، وسواء في أحكامه القدرية أو أحكامه الشرعية، قال تعالى: وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا {الأنعام:115}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: صدق في الأخبار، وعدل في الأحكام. اهـ.
ومن أيقن بذلك، وجعله الأصل الذي يتعامل به مع قضاء الله وقدره، ومع شرعه وحكمه؛ اطمأن قلبه، وانشرح صدره، وسكنت نفسه، ورضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، فذاق طعم الإيمان؛ فأفلح وأنجح.
ومن لم يكن كذلك، ففيه خصلة من خصال المنافقين!
وتدبري قول الله تعالى: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين (47) وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون (48) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين (49) أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون (50) إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (51) ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون (52) [النور:47-53].
والله أعلم.