السؤال
ابن أخي في الصف الثالث الثانوي، ومن الأمور السيئة جدا التي حدثت ولم أكن أتوقعها، الغش الذي كان موجودا في اللجنة بصورة شبه يومية دائمة، فقد كانوا يفتحون الكتب والمذكرات، وينقلون منها بصورة مباشرة، وهذا كلام موثق لا افتراء فيه، ولا كذب، فقد كان يخبرني بهذا بنفسه، ويخبرني بما يحدث داخل اللجنة بصورة شبه يومية.
وعندما كان يخبرني بهذا القول كنت أنصحه بشدة، وأربطه بالله عز وجل، وأقول له: (لو نظر الله عز وجل إلى كل من في اللجنة وهم يغشون وأنت لا تغش، فانظر إلى عظمة الله، وانظر قيمتك عند الله عز وجل عندما لا تكتب كلمة واحدة سوى إجابتك؛ لأنها ستعرض على الله عز وجل، وإن تركت الغش لله عز وجل، فسوف يعوضك خيرا منه بأمر الله عز وجل)، وأقول له: (عندما يبدأ الغش ضع كراستك في الدرج؛ حتى لا تضعف وتغش)، وقد نصحته مرارا وتكرارا بحب، وأدب، ورحمة، وإقناع بالقرآن، والسنة الشريفة، وبالقوة، والتحذير من هذا الأمر، وبعد ظهور النتيجة بدأ بعض الناس يلومني، ويقول لي: لماذا لم تتركه يغش؛ حتى يأخذ مجموعا يدخل به كلية بالقرب منا، ولا يذهب إلى كلية بعيدة!؟ والأسئلة: 1. هل أخطأت في حقه، وأضعت مستقبله؟ لأنني لو تركته يغش؛ لكان قد أخذ مجموعا أكبر يدخل به كلية أفضل.
2. إذا ذهب إلى كلية بعيدة، فسيترتب على ذلك مواصلات، وسفرا، وتعبا، ومجهودا، فهل يحاسبني الله عز وجل على ذلك؟ وهل علي ذنب؟ لأنه لو غش لدرس في كلية قريبة، ولم يتعب هذا التعب.
3. بسبب ما فعله من الامتناع عن الغش في الوقت الذي كان فيه كل أو معظم من في اللجنة يغش، هل يأخذ الأجر الوارد في الحديث: (عبادة في الهرج، كهجرة إلي)؟
4. كنت أقول له: إن من يغش ويأخذ مجموعا أعلى منك ويدخل كلية، كنت أنت الأحق أن تدخلها مكانه لو لم يغش، فإن لك حقا عليه، وتأخذ من حسناته يوم القيامة؛ لأنه أخذ حقك، فهل هذا الكلام صحيح؟ جزاكم الله عز وجل خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالنهي عن الغش في الاختبارات، من جملة النهي عن المنكر، الذي يحمد صاحبه، ويؤجر عليه -إن شاء الله تعالى-.
وعلى ذلك؛ فلم يخطئ السائل في نصحه لابن أخيه، بل قد أصاب، ولم يسئ إليه، بل قد أحسن.
كما أحسن وأصاب ابن أخيه حينما استجاب للنصح، وترك ما لا يجوز له فعله، وكلاهما مأجور على ذلك -إن شاء الله-.
وأما مجموع ابن أخيك الذي حصل عليه، وما يترتب على ذلك من نوع الكلية ومكانها، فهو قضاء الله تعالى الذي كتبه له في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض.
ومن ناحية أخرى هو المناسب لمستواه الدراسي وجهده.
وهنا ننبه على أمرين في النقطتين الثالثة والرابعة من السؤال:
فأما الثالثة: فمن ترك الغش، فله أجر ذلك عند الله، ويزيد هذا الأجر عند شيوع المنكر وانتشاره، وفعل الكثيرين له، ولكن هذا لا يعني الحصول على الأجر المخصوص المذكور في حديث: العبادة في الهرج، كهجرة إلي. رواه مسلم. فهذا الأجر يتوقف على حصول الوصف المذكور في الحديث، قال ابن الجوزي في كشف المشكل: الهرج: القتال، والاختلاط. وإذا عمت الفتن، اشتغلت القلوب، وإذا تعبد حينئذ متعبد، دل على قوة اشتغال قلبه بالله عز وجل، فيكثر أجره. اهـ.
وقال القرطبي في المفهم: الهرج: الاختلاط، والارتباك، ويراد به هنا الفتن، والقتل، واختلاط الناس بعضهم في بعض، فالمتمسك بالعبادة في ذلك الوقت، والمنقطع إليها المعتزل عن الناس، أجره كأجر المهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يناسبه من حيث إن المهاجر قد فر بدينه عمن يصده عنه إلى الاعتصام بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك هو المنقطع للعبادة، فر من الناس بدينه إلى الاعتصام بعبادة ربه، فهو على التحقيق قد هاجر إلى ربه، وفر من جميع خلقه. اهـ.
وأما النقطة الرابعة، والحكم بأن له حقا على من غش فيأخذ من حسناته يوم القيامة! فالجزم بهذا لا يصح، فقد يتوب الغاش، ولا يؤخذ من حسناته شيء يوم القيامة.
وعلى أية حال؛ فالحكم لله تعالى يفصل بين العباد يوم القيامة بعلمه، وحكمته.
والله أعلم.