السؤال
كلنا نعلم أن القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان، ولكن هل الأحاديث النبوية الشريفة صالحة لكل زمان ومكان؟
كلنا نعلم أن القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان، ولكن هل الأحاديث النبوية الشريفة صالحة لكل زمان ومكان؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحديث النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، هو المصدر الثاني من مصادر التشريع، وقد نزه الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن ينطق بخلاف الحق، قال تعالى: وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى {النجم:3-4}.
فالسنة في وجوب اتباعها، والعمل بها، وتقديمها على ما عداها، كالقرآن؛ لأنها من الوحي الذي أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول ابن القيم -رحمه الله- في الكلام على هذه الآية: ثم قال سبحانه: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}، ينزه نطق رسوله أن يصدر عن هوى، وبهذا الكمال هداه ورشده، وقال: {وما ينطق عن الهوى}، ولم يقل: وما ينطق بالهوى؛ لأن نطقه عن الهوى أبلغ، فإنه يتضمن أن نطقه لا يصدر عن هوى، وإذا لم يصدر عن هوى، فكيف ينطق به، فتضمن نفي الأمرين: نفي الهوى عن مصدر النطق، ونفيه عن نفسه: فنطقه بالحق، ومصدره الهدى والرشاد، لا الغي والضلال، ثم قال: {إن هو إلا وحي يوحى}، فأعاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل، أي: ما نطقه إلا وحي يوحى، وهذا أحسن من قول من جعل الضمير عائدا إلى القرآن، فإنه يعم نطقه بالقرآن والسنة، وإن كليهما وحي يوحى، وقد احتج الشافعي لذلك، فقال: لعل من حجة من قال بهذا قوله: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}، قال: ولعل من حجته أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم: [والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله: الغنم والخادم رد عليك - الحديث]، وفي الصحيحين أن يعلى بن أمية كان يقول لعمر: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي، فلما كان بالجعرانة، سأله رجل فقال: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبته بعدما تضمخ بالخلوق، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم سكت، فجاء الوحي، فأشار عمر بيده إلى يعلى، فجاء فأدخل رأسه، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم محرم يغط، ثم سري عنه، فقال: [أين السائل آنفا]، فجيء به، فقال: [انزع عنك الجبة، واغسل أثر الطيب، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك]. وقال الشافعي: أخبرنا مسلم، عن ابن جريج، عن أبي طاووس، عن أبيه أن عنده كتابا نزل به الوحي، وما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من صدقة، وعقول، فإنما نزل به الوحي. وذكر الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال: كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، يعلمه إياه. وذكر الأوزاعي أيضا، عن أبي عبيد صاحب سليمان، أخبرني القاسم بن مخمرة، حدثني ابن فضيلة، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سعر لنا، قال: [لا يسألني الله عن سنة أحدثها فيكم لم يأمرني بها، ولكن سلوا الله من فضله]، وابن فضيلة هذا يسمى: طلحة، وقد صح عنه أنه قال: [ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه]، وهذا هو السنة بلا شك، وقد قال تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}، وهما: القرآن، والسنة. وبالله التوفيق. انتهى.
وإنما نقلناه بطوله لنفاسته، وبه وبغيره مما هو مبسوط في موضعه، يتبين أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان، وأن العمل بها واجب؛ حتى تقوم الساعة، وهذا فيما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم على جهة التشريع.
وأما ما صدر منه على سبيل الرأي في بعض أمور الدنيا، ونطق به باجتهاد منه ناشئ عن الخبرة الإنسانية التي قد تتغير، فهذا ليس من هذا القبيل، يدل لذلك ما رواه أحمد، ومسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون، فقال: لو لم تفعلوا لصلح قال: فخرج شيصا، فمر بهم، فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت: كذا وكذا، قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم.
قال النووي: قال العلماء: قوله -صلى الله عليه وسلم- من رأيي، أي: في أمر الدنيا ومعايشها، لا على التشريع. فأما ما قاله باجتهاده -صلى الله عليه وسلم-، ورآه شرعا يجب العمل به، وليس إبار النخل من هذا النوع، بل من النوع المذكور قبله... قال العلماء: ولم يكن هذا القول خبرا، وإنما كان ظنا، كما بينه في هذه الروايات. قالوا: ورأيه -صلى الله عليه وسلم- في أمور المعايش، وظنه كغيره، فلا يمتنع وقوع مثل هذا، ولا نقص في ذلك، وسببه تعلق هممهم بالآخرة ومعارفها. انتهى.
وتنظر الفتوى: 309562.
والله أعلم.