السؤال
والدي -رحمة الله عليه- كان رجلا شديدا، جاف المشاعر، قاسي الطباع، يجور علينا بشدة بحجة التربية، ويبتعد عنا جدا؛ ظنا أن هذا الأفضل، وكان يعتقد أنه إذا ما تقرب من ولده أو عامله بلطف، فهذا ضعف، والرجل لا يكون ضعيفا.
بناء على تلك الطريقة من المعاملة؛ أصبح بيننا وبينه جفاء، وانتهى الأمر أن لا يتم بيننا التواصل إلا لحاجة، وتركت بلدي، وليس بيننا تعامل ولا مشاكل، ولكن جفاء لا يسأل ولا نسأل بشكل مباشر، وإنما نسأل أمي عنه، ويسألها عنا، ويدعو لنا بصلاح الحال.
ومرت أعوام لم يسمع صوتي، ولم أسمع صوته، وحاولت كثيرا أن أكلمه للاطمئنان المباشر عليه، وكنت أخاف ولا أقدر على نفسي؛ حيث إنه كان تحت ضغط عصبي شديد من أمور تخص حياة أخي، وكنت أخاف أن ينفجر علي كالمعتاد.
عندما كنت أعلم من أمي أنه يدعو لي، ويستحسن فعلي، ويحب زوجتي، ويثني علينا، لأننا لسنا مصدر إزعاج، بل مصدر راحة له، كنت أقول لنفسي: في أول زيارة ليكن اللقاء، وليفعل بي ما يريد، مع أنه غير غاضب مني، كما نقل لي، ولكني دائما لا أتوقع ردة فعله، فلم أحدثه، واكتفيت أنه كان يفخر بي، ويثني علي في كل مكان، فاكتفيت بكوني في خاطره.
ووالدي مات فجأة على حال يحسد عليه -مات مصليا، صائما، قارئا لكتاب الله حافظا له-، وسألت أمي وصديقا له كان قريبا منه، فقالوا: إنه كان راضيا عني، وأنه ذكرني قبل وفاته بكل خير، ولكني متعب جدا؛ فأنا كنت جافا.
أعلم أنه لا عذر لي، ولكني قصرت معه، حتى وإن كان غير غاضب أمام من حوله، ولكنه كان بالتأكيد يحمل داخله مني شيئا.
قررت أن أتصدق بصدقة جارية عنه، ولم أرتح.
وكان يمتلك عقارا يؤجر إيجارا قديما، وظلم بائعه في سعر بيعه؛ لأن فيه ساكنا، فقررت أن أعوض المالك الأول، ولكني لست مرتاحا حتى الآن، فماذا أفعل؟