السؤال
ما معنى الجزع في قول رسول الله: "إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع"؟ وهل من داوم على الصلاة، والعبادات، والنوافل، والدعاء؛ ليتقرب إلى الله أكثر، ويدعوه، حتى يرفع الله عنه البلاء والابتلاء، لكنه أحيانا يصيبه اليأس، وبعض الهلع؛ ليس صابرا؟ وما معنى: "إذا أحب الله قوما"، أليس الأصل أن الله يحب عباده، وهو أرحم بهم من أمهاتهم؟ جزاكم الله كل خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا القول المذكور ورد حديثا مرفوعا رواه أحمد في المسند من حديث محمود بن لبيد -رضي الله عنه-، وجود الشيخ شعيب الأرناؤوط محقق المسند إسناده.
والجزع -كما في القاموس- هو نقيض الصبر.
ومعناه واضح، وهو تلقي أقدار الله تعالى بالتسخط، وعدم التسليم لها.
وما يعرض من الخواطر الرديئة التي يطردها الإنسان عن نفسه سريعا، لا ينافي الصبر.
فمن كان بالصفة المذكورة مداوما على دعاء الله تعالى، مستكينا لقضائه، فله أجر الصابرين، ولا يضره ما يعرض له في بعض الأحايين من إلقاء الشيطان الوساوس في قلبه باليأس والتسخط، وذلك أن الله بواسع رحمته تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تكلم.
وقد بين المحقق ابن القيم الأمور المنافية للصبر في الباب الخامس والعشرين من عدة الصابرين، فقال ما مختصره:
لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط، والجوارح عن اللطم، وشق الثياب، ونحوها، كان ما يضاده واقعا على هذه الجملة؛ فمنه الشكوى إلى المخلوق، فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله، فقد شكا من يرحمه إلى من لا يرحمه، ولا تضاده الشكوى إلى الله، كما تقدم في شكاية يعقوب إلى الله، مع قوله: فصبر جميل...
ومما ينافي الصبر: شق الثياب عند المصيبة، ولطم الوجه، والضرب بإحدى اليدين على الأخرى، وحلق الشعر، والدعاء بالويل؛ ولهذا برئ النبي ممن صلق وحلق وخرق، صلق رفع صوته عند المصيبة، وحلق رأسه، وشق ثيابه، ولا ينافيه البكاء والحزن، قال الله تعالى عن يعقوب: {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}، قال قتادة: كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيرا... ويضاد الصبر الهلع، وهو الجزع عند ورود المصيبة، والمنع عند ورود النعمة، قال تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا}، وهذا تفسير الهلوع، قال الجوهري: الهلع أفحش الجزع، وقد هلع بالكسر، فهو هلع وهلوع. انتهى محل الغرض منه.
ومعنى: ومن جزع فله الجزع. أي: من جزع، فعليه وزر جزعه. كما قال الصنعاني في شرح الجامع الصغير.
ومعنى الحديث: أن الله يؤدب عباده، ويبتليهم بصنوف البلاء؛ ليستخرج قوة الصبر من نفوسهم؛ وذلك مما يحبه تعالى، فمن صبر كان ناجحا في هذا الاختبار، مؤديا الواجب عليه تجاهه، والعكس بالعكس.
وأما أن الله يحب كل عباده، فليس ذلك صحيحا، فهو سبحانه إنما يحب من اتقاه وأطاعه، ويبغض من عصاه، وخالف أمره، وقد يكون العبد محبوبا من وجه مبغوضا من وجه، وتفصيل ذلك في الفتوى: 389617، والفتوى: 162423.
والله أعلم.