حكم الصلاة خلف الإمام الفاجر والمبتدع

0 35

السؤال

يقول الله تعالى:"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله".
ونحن نعيش في بلاد مسلمة، حتى بغت علينا طائفة من المسلمين، وعاثت في الأرض فسادا، وأباحوا دماء المسلمين من غيرهم، ومعلوم أن الله لن يأمرنا بقتالهم، والصلاة في مساجدهم في الوقت ذاته. فما حكم الصلاة في مساجدهم، مع العلم بأننا نحافظ على الصلاة في بيوتنا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد

فاعلم أن الجماعة واجبة على الرجال البالغين في قول كثير من أهل العلم، وهو ما نفتي به، وليس المسجد شرطا لوجوبها، فإذا أديت الجماعة في البيت برئت الذمة، كما بينا ذلك في الفتوى: 128394.

ولكن تفوت فضيلة إتيان المسجد، وشهود الجماعة فيه، وينبغي لكم شهود الجماعة في المساجد، وإن كان القائمون عليها من أهل البدع، ما لم يصل بهم ذلك إلى الكفر، والخروج من الملة.

وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حكم ما سألت عنه في مواضع من كلامه، ونحن نسوق لك طرفا من ذلك.

قال رحمه الله: ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه؛ كإمام الجمعة، والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة، ونحو ذلك. فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم. ولهذا قالوا في العقائد: إنه يصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام برا كان أو فاجرا، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد، فإنها تصلى خلفه الجماعات؛ فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقا.

هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل، والشافعي وغيرهما، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد. ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر؛ فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة. كما ذكره في رسالة عبدوس، وابن مالك، والعطار. والصحيح أنه يصليها، ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار، ولا يعيدون كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج، وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشرب الخمر، حتى أنه صلى بهم مرة الصبح أربعا ثم قال: أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة ولهذا رفعوه إلى عثمان.

وفي صحيح البخاري أن عثمان -رضي الله عنه- لما حصر صلى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان. فقال: إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة. فقال: يا ابن أخي؛ إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم. ومثل هذا كثير.

والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة، أو فجورا لا يرتب إماما للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه، وصلى خلف غيره أثر ذلك حتى يتوب، أو يعزل، أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه. فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة، ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة. وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة، فهنا لا يترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم. انتهى.

وأما قولك: إن الله لم يأمر بقتالهم، والصلاة في مساجدهم. فالحال بخلاف هذا، فهم متسلطون حاكمون فيما يظهر من سؤالك، ومن ثم؛ فلا معنى لتعطيل الجماعة، وهجران المساجد، فيما يظهر لنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة