السؤال
أنا عبد ضعيف أمام المعصية، وارتكبت إحدى الكبائر التي تؤذيني ولا تؤذي غيري. أتوب توبة نصوحا، حتى إني في بعض الأحيان أبكي بكاء شديدا، ندما منها، ثم بعد ذلك أعود إليها بغير إحساس، ثم أتوب.
تكررت ذلك مرات كثيرة، حتى أصبحت أشعر بالخجل من التوبة، وكأنني -والعياذ بالله- ألعب بمفهوم التوبة، لكن والله إني أندم اشد الندم بعد القيام بها، وبعد تكرار ذلك كثيرا لا أعلم إن كانت توبتي تصح.
أفتوني أفادكم الله هل لتوبتي مغفرة وقد تبت منها مرات عدة، ولكني أعود لها، والله إني أشعر بالحزن على القيام بها ولكن أضعف أمامها حتى أصبحت أشعر أن لا مغفرة لي في توبتي. وأيضا إذا قلت: أعد نفسي أمام الله أن لا أعود ثم أعود لها. فهل علي كفارة يمين؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يزال الله -تعالى- يقبل توبة العبد ما تاب العبد إليه، فإياك واليأس من رحمة الله، والقنوط من روح الله، قال تعالى: قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون {الحجر:56}، وقال: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون {يوسف:87}.
فمهما تكرر منك الذنب، فتب كلما أذنبت. وإذا عدت فأذنبت، فعد إلى التوبة ولا تمل مهما وقع منك هذا؛ فإن الله -تعالى- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. ومهما كان ذنبك عظيما فإن عفو الله أعظم، ورحمته- سبحانه- قد وسعت كل شيء.
قال ابن القيم رحمه الله: ومن أوجب الواجبات التوبة بعد الذنب، فضمان المغفرة لا يوجب تعطيل أسباب المغفرة. ونظير هذا قوله في الحديث الآخر: أذنب عبد ذنبا فقال: أي رب أذنبت ذنبا فاغفره لي؛ فغفر له. ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم أذنب ذنبا آخر فقال: أي رب أصبت ذنبا فاغفر لي؛ فغفر له. ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم أذنب ذنبا آخر فقال: رب أصبت ذنبا فاغفره لي. فقال الله: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؛ قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء. فليس في هذا إطلاق وإذن منه سبحانه له في المحرمات والجرائم، وإنما يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك إذا أذنب تاب. واختصاص هذا العبد بهذا؛ لأنه قد علم أنه لا يصر على ذنب، وأنه كلما أذنب تاب، حكم يعم كل من كانت حاله، حاله. انتهى.
وإذا علمت ما مر، فإن القول الصادر عنك لا يعد يمينا ولا نذرا، ولا يلزمك به شيء.
والله أعلم.