مقامات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

0 34

السؤال

هل يجوز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بسبب تكبر الناس على الحق، واحتقارهم للدين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله -تعالى- من أعظم ما يتحصن به المسلم من الفتن؛ وذلك أن الإنسان إما داع، وإما مدعو. فإن لم تؤثر في الناس بالحق الذي معك، فلربما أثروا فيك بباطلهم، قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون: ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار {غافر:40}.
 وما تذكره من تكبر الناس على الحق واحتقارهم للدين، هو من من موجبات النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، وكون الناس قد لا يستجيبون للناهي ولا للآمر، فهذا لا يبيح ترك الأمر والنهي.

وفي قصة أصحاب السبت وما دار من حوار بين أهل الصلاح عظة وعبرة، فلما حل العذاب بأهل القرية ذكر الله نجاة المصلحين الآمرين والناهين عن المنكر، ولم يذكر الطائفة التي سكتت على الباطل. قال تعالى: واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون * وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين * وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم [الأعراف:163 - 167].
ونختم لك بنصيحة عظيمة للحافظ ابن رجب، ذكرها في كتابه: جامع العلوم والحكم، قد تهون على العبد ما يلقاه من ضيق في سبيل إنكاره للمنكر. قال: واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يحمل عليه رجاء ثوابه، وتارة خوف العقاب في تركه، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه، وتارة النصيحة للمؤمنين، والرحمة لهم، ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله، وعقوبته في الدنيا والآخرة.

وتارة يحمل عليه إجلال الله، وإعظامه، ومحبته، وأنه أهل أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، وأن يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال، كما قال بعض السلف: وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله، وإن لحمي قرض بالمقاريض.

 وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز -رحمهما الله- يقول لأبيه: وددت أني غلت بي وبك القدور في الله -عز وجل-. ومن لحظ هذا المقام والذي قبله، هان عليه كل ما يلقى من الأذى في الله تعالى، وربما دعا لمن آذاه، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ضربه قومه، فجعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول: رب اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة