السؤال
أنا شاب عمري 18 عاما، شعرت في الفترة الأخيرة بالخوف من الدفن عند الموت.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالموت حق، كتبه الله على كل نفس، كما قال تعالى: كل نفس ذائقة الموت {آل عمران:185}، {الأنبياء:35}، {العنكبوت:57}، وخوفك من الدفن بعد الموت لا يفيد؛ لأنه أمر واقع، ولا بد، ولا حيلة في دفعه.
ولكن بالنسبة للمؤمن، فإن دفنه في قبره، ومواراته الثرى، خير له؛ فإنه يوسع له في قبره مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة، يرى فيه مقعده فيها حين يبعثه الله تعالى؛ فالمؤمن في قبره في نعيم وغبطة، وموته راحة له ونعمة.
فاجعل خوفك من الموت سبيلا إلى عمل صالح، تبيض به وجهك يوم تلقى الله، ويكون أنيسا لك في قبرك عندما تدرج في أكفانك ويتولى عنك القريب والبعيد.
فاعمل صالحا، وأعد للموت عدته، وخذ له أهبته، يكن الموت راحة لك، وقرة عين، ويكن الدفن بعده سرورا، وحياة طيبة تحصل لك، كما قال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون {النحل:97}.
وفي تفسير قوله تعالى: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة {إبراهيم:27} ذكر الحافظ ابن كثير جملة صالحة من الأحاديث في نعيم المؤمن في قبره، نكتفي بذكر واحد منها، وهو حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده، إن الميت ليسمع خفق نعالكم حين تولون عنه مدبرين.
فإن كان مؤمنا، كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن يساره، وكان فعل الخيرات -من الصدقة، والصلة، والمعروف، والإحسان إلى الناس- عند رجليه.
فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل.
فيؤتى عن يمينه فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل.
فيؤتى عن يساره فيقول الصيام: ما قبلي مدخل.
فيؤتى عند رجليه فيقول: فعل الخيرات ما قبلي مدخل.
فيقال له: اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس قد دنت للغروب، فيقال له: أخبرنا عما نسألك، فيقول: دعني حتى أصلي، فيقال له: إنك ستفعل، فأخبرنا عما نسألك، فيقول: وعم تسألوني؟ فيقال: أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم: ماذا تقول به، وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: أمحمد؟ فيقال له: نعم، فيقول: أشهد أنه رسول الله، وأنه جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعليه تبعث -إن شاء الله-، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا، وينور له فيه، ويفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: انظر إلى ما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرورا، ثم تجعل نسمته في النسم الطيب، وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة، ويعاد الجسد إلى ما بدئ من التراب، وذلك قول الله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. رواه ابن حبان من طريق المعتمر بن سليمان، عن محمد بن عمر.
فإذا علمت هذا؛ هان عليك الخطب، وتبين لك أن الموت وما يعقبه من الدفن، يورث الراحة العظمى، واللذة والنعيم الذي لا يعدله نعيم الدنيا كلها؛ فسعيت بعد ذلك لاستفراغ وسعك، وبذل جهدك في التقرب إلى الله تعالى؛ ليأتيك الموت وأنت على أحسن حال.
والله أعلم.