السؤال
بعض أوامر الوالدين تشق علي نفسيا -كأمرهما بدراسة لا أرغبها، أو عمل لا أريده، أو لباس لا أريده-، وقد تكون هذه الأوامر على سبيل الإيجاب منهما، وقد تكون إشارة، أي أنهما يشيران أنهما يريدان مني كذا وكذا.
ولو كانت أوامرهما على غير سبيل الإيجاب، فيحزنني عدم القدرة على الإتيان بها؛ لما يسبب لي من المشقة النفسية، ويتقطع قلبي حسرة بسبب هذا، فأحب أن أفعل تلك الأمور، ولو أدى ذلك إلى عذاب نفسي مستمر؛ حتى أحقق أعلى مراتب البر، ولكنني لا أدري إلى متى سيظل صبري، فهل من نصيحة في هذا الجانب؟ وهل أوسع على نفسي في الأوامر غير المتعلقة بحقهما الواجب، إذا كانت تسبب لي الهم والغم المستمر، أم أبقى على حالي؛ حتى يكشف الله الغم؟ والمشكلة أنني أحس أن هذه المشاكل تعوقني عن التركيز في طلب العلم، أريد نصيحتكم حول ضابط المشقة المعتبرة في الترخص بعدم اتباع رغبة الوالدين، وبماذا تنصحني؟ أي أنني أحس أنني أحمل نفسي ما لا أطيق، وكأني أريد أن أقنع نفسي أنني أطيقه. بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالوالدان إنما تجب طاعتهما فيما لهما فيه منفعة، وليس على الولد فيه مضرة ـ كما قررنا ذلك مرارا ـ، فلا تجب طاعتهما في نوع طعام يأكله، أو ثوب يلبسه، أو كلية يدخلها، أو وظيفة يعمل فيها، ونحو ذلك، وإن أطاعهما إحسانا وبرا وتألفا لقلبيهما، فهو حسن.
فإذا عرفت حدود الطاعة الواجبة: فما كان من ذلك واجبا، فلا تقصر فيه.
وما كان بخلاف ذلك، وكانت عليك مشقة بالغة في فعله -بأن كان يحول بينك وبين تحصيل مصالح أكبر، كالتركيز في دراستك، ونحو ذلك-، فتكلم معهما بلين، ورفق، وأدب تام، وبين لهما وجهة نظرك، وحاول إقناعهما بما هو أنسب لك، وفي الحوار المتبادل يكون الحل غالبا.
فإذا أقمت جسرا من الثقة، والعلاقة القوية مع والديك، وبادلتهما الحوار، وأشعرتهما بحبك الشديد لهما، وأنك كذلك حريص على مصلحتك، عارف بها، فسيؤدي هذا ـ إن شاء الله ـ لحل كثير من إشكالاتك، دون الدخول في هذا الضغط النفسي، مع الاستعانة بدعاء الله؛ فإن الأمور كلها بيديه، وهو وحده الذي ييسر كل عسير.
والله أعلم.