تقدّم الإيجاب على القبول وعدم حضورالشاهد الثاني عند كتابة العقد

0 25

السؤال

تزوجت منذ سنة 2016، وذهبت أنا وزوجتي وأبوها إلى مكتب العدول، وأخذنا الأوراق الإدارية المتعلقة بالزواج، وبدأ العدول بالكلام مع أبي الزوجة حول الزواج، فأجاب أبو الزوجة: نعم، وحينئذ لم أسمع ما قاله العدول لأبي الزوجة، ثم قال شيئا لزوجتي حول قبولها بالزواج، فقالت: نعم، وسألني عن الموافقة على الزواج، فقلت: نعم، وبعدها قلت للعدل: إنك لم تسأل أبا الزوجة هل هو موافق على هذا الزواج؟ فتكلم معه حول الموافقة على الزواج، فأجاب الأب: نعم، وبعدها كتب العدول العقد، ووقعنا عليه، وبعدها بأيام يخرج العقد الورقي الذي نحتفظ به.
وأنا أعيش في هم وغم، واكتئاب، لا يعلمه إلا الله؛ بسبب الشك في صحة العقد؛ لعدة أسباب، هي:
-لم يكن الشاهد الثاني حاضرا أثناء العقد، مع العلم أن اسمه مكتوب في العقد، ولاحظت أن كثيرا من العقود في المغرب تتم دون حضور شاهدين اثنين.
-‏لا أتذكر هل ذكر اسم زوجتي أثناء العقد، خصوصا أني لم أسمع ما قاله العدول في الأول مع أبي الزوجة، علما أنني قبل الزواج قمت بالخطبة، وأعلم الزوجة المقصودة، والأب كذلك يعلم المقصودة، وقدمنا للعدول الوثائق الإدارية المتعلقة بنا، المتضمنة لأسمائنا، والمعلومات الخاصة بنا، إلا أني لم أطلع على الوثائق المتعلقة بزوجتي أثناء العقد.
-‏بعد أيام من هذا العقد، وقبل أن تخرج ورقة الزوجية التي نحتفظ بها، خلوت بزوجتي، وحاولنا الجماع، ولا أدري هل غيبت رأس الذكر أم لا، و‏بعدها قمنا بحفل الزفاف.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فقد سبق في الفتوى: 7704 بيان شروط الزواج الصحيح، وأن من أهمها: الصيغة، وهي: الإيجاب والقبول، والولي، والشهود.

ومن خلال ما ذكرت؛ فالظاهر أن من أسميتهم بالعدول قد عرضا أمر الزواج على الولي، فأجاب بقوله: نعم؛ فيكون الإيجاب قد حصل، وتقدم على القبول. 

وعلى فرض أن الإيجاب لم يتم إلا بعد تنبيهك لهم، فتأخر الإيجاب عن القبول؛ فيصح الزواج بذلك في قول جمهور الفقهاء، حيث يرون أنه لا يشترط أن يكون الإيجاب أولا، ثم القبول، خلافا للحنابلة، قال ابن قدامة في المغني: إذا تقدم القبول على الإيجاب، لم يصح رواية واحدة، وسواء كان اللفظ الماضي، مثل أن يقول: تزوجت ابنتك، فيقول: زوجتك، أو بلفظ الطلب، كقوله: زوجني ابنتك، فيقول: زوجتكها.

وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: يصح فيهما جميعا؛ لأنه قد وجد الإيجاب والقبول، فيصح، كما لو تقدم الإيجاب. اهـ. 

 وعلى تقدير كونه لم يشتمل على الإيجاب والقبول، فمن العلماء -كابن تيمية- من لا يشترط للزواج صيغة معينة، بل يرى صحة الزواج بكل ما اعتبر زواجا في عرف الناس، قال -رحمه الله تعالى-: ينعقد النكاح بما عده الناس نكاحا، بأي لغة، ولفظ، وفعل كان، ومثله كل عقد. اهـ.

وقال أيضا: ومعلوم أن دلالات الأحوال في النكاح معروفة من اجتماع الناس لذلك، والتحدث بما اجتمعوا له. اهـ. هذا من جهة الصيغة.

ويبقى النظر في أمر الشهادة، فإن لم يحضر العقد شاهدان؛ فإنه لا يصح في قول جمهور الفقهاء، ولكن إن كان هنالك عدد من الشهود غير هذا الذي كتب اسمه في العقد ولم يحضر؛ فالزواج صحيح؛ لأن هذا الشرط قد تحقق. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى؛ فإن فقهاء المالكية يرون أن الإشهاد عند العقد مستحب، وأنه يجب عند الدخول، ويرى بعضهم أن انتشار أمر الزواج كاف، ويغني عن الشهادة، جاء في فتح العلي المالك للقاضي عليش قوله: قال العلامة التاودي: قال الشارح: شدد المتأخرون في شرط الإشهاد؛ حتى كأنه عندهم ركن، وخلو بعض الأنكحة عنه مع وجود الشهرة مما تعم به البلوى، وفي كلام المتقدمين أن القصد في النكاح إنما هو الشهرة.

وفي الجواهر: لم تكن أنكحة السلف بإشهاد، وفي جواب ابن لب ما نصه: ذكر أهل المذهب أن الشهادة بالنكاح وشهرته مع علم الزوج والولي تكفي, وإن لم يحصل إشهاد. وهكذا كانت أنكحة كثير من السلف, وهو مروي عن ابن القاسم. اهـ.
 وذكر مثل هذا المعنى الأخير شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال في الفتاوى الكبرى: فالذي لا ريب فيه: أن النكاح مع الإعلان يصح، وإن لم يشهد شاهدان. اهـ.

 وبناء على ما ذكر؛ فإن كان أمر نكاحكما قد اشتهر، وفشا خبره، وانتشر بين الأقارب، والأصدقاء، والجيران؛ فإنه يمضي، وخاصة إن كان قد تم الدخول، ومضت مدة كبيرة. 

فدع عنك هذه الوساوس، ولا تلتفت إليها، واصرف همتك إلى ما ينفعك من أمر دينك، ودنياك.

 وننبه إلى أن يبادر المسلم إلى السؤال عما يحتاج إلى معرفة حكمه الشرعي، ولا يتوانى في ذلك؛ فقد قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {النحل:43}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة