السؤال
صديقتي تعمل في صيدلية، وطلب منها أحد الزبائن نوعا معينا من الفوط الصحية لزوجته، فلم تعرفه، فطلبت من صديقتها أن تحضره، وبعد ساعة عادت زوجته، وقالت: إن هذا النوع ليس الذي كانت تريده، وأنها كانت مع زوجها على الهاتف، وسمعت ما طلب، وأن الخطأ من عندنا، لكنها فتحت العلبة، ولا يمكن إعادتها، فأقسمت صديقتها أن هذا هو النوع الذي طلبه، وعندما طلبت منها أن تشهد بما سمعت، اختلط عليها الأمر، ولم تتذكر ما حدث بالضبط، فشهدت مثلها؛ لأن صديقتها تقول: إنها متذكرة جيدا، لكنها بعد ذلك تذكرت أن المرأة فعلا على حق، فهل شهادتها الآن تعد شهادة زور، وعليها ذنب؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس ذلك من شهادة الزور التي هي من أكبر الكبائر؛ لأن صاحبتها شهدت بما تظنه صوابا، ولم تتعمد الكذب، بل أخطأت، وهذا يرفع حكم شهادة الزور، قال البخاري في كتاب الديات من صحيحه: باب: إذا أصاب قوم من رجل، هل يعاقب أو يقتص منهم كلهم.
وقال مطرف، عن الشعبي، في رجلين شهدا على رجل أنه سرق، فقطعه علي، ثم جاءا بآخر، وقالا: أخطأنا؛ فأبطل شهادتهما، وأخذا بدية الأول، وقال: "لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما". اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: دل على قطع الأيدي باليد، وعلى وجوب القود على شاهد الزور. اهـ.
وإنما رفع عنهما الحكم أنهما لم يتعمدا، بل أخطآ.
وجاء في موسوعة الفقه الإسلامي التي أصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر: الخطأ في الشهادة، ليس من شهادة الزور. اهـ.
ومع ذلك؛ فقد أساءت صديقتك، وقصرت في الواجب عليها عندما شهدت لمجرد أن صديقتها متذكرة جيدا! فقد كان الواجب عليها أن تمتنع عن الشهادة، وعذرها في ذلك واضح، فهي - كما ورد في السؤال -: (اختلط عليها الأمر، ولم تتذكر ما حدث بالضبط)، قال المظهري في تفسيره، عند قول الله تعالى: وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى {الأنعام:152}: هذا أيضا أمر وضع موضع النهى عن الجور والكذب؛ تأكيدا في العدالة؛ حتى لا يجوز الشهادة على الظن، والتخمين، بل على كمال العلم، كما يدل عليه لفظة الشهادة. اهـ.
وقال الصنعاني في سبل السلام في شرح حديث: على مثلها -يعني الشمس- فاشهد أو دع: فيه دليل على أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد إلا على ما يعلمه علما يقينا، كما تعلم الشمس بالمشاهدة، ولا تجوز الشهادة بالظن. اهـ. وراجعي الفتوى: 156871.
والله أعلم.