السؤال
أنا شاب في 19 من عمري، أعيش في بيئة سيئة جدا، ومليئة بالسوء، وكمثال على ذلك: فأبي يخون أمي مع عدة نساء، ويمارس الزنا مع بعضهن، وأمي تعرف ذلك، لكنه لا يمكنها أن تطلب الطلاق، بسبب أهلها الذين هم سيئون أيضا، ولا يقبلون بها، فأهل أمي يعرفون بأن أبي يخونها، ولا يفعلون أي شيء، والمصيبة أن أمي أنجبت من أبي سبعة أولاد، أصغرهم يبلغ: 15 سنة، فأمي تزوجت وهي في 14 من عمرها، ونفسيتها مدمرة بسبب كل ذلك السوء الذي حصل في حياتها، وحقا لا أعرف ماذا أفعل؟ فأنا أعيش في بيئة أصبحت الخيانة الزوجية فيها أمرا اعتياديا، فحتى بين الناس الذين أخالطهم يقولون زوجة فلان ـ الذي لا أعرفه ـ فعلت هذا، وبنات فلان يفعلن هذا... فماذا أفعل؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنود أن ننبه أولا: إلى أن الأصل إحسان الظن بالمسلم، وعدم اتهامه بما يشين من غير بينة، ولا سيما الاتهام بالزنا، وفعل الفواحش، وقد جاء الشرع بالنهي عن سوء الظن، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم {الحجرات:12}.
ويتأكد مثل هذا في حق الوالد، لما له من حق عظيم على ولده، وتراجع الفتوى: 211225، لمزيد الفائدة.
ثانيا: مصطلح الخيانة يحتاج إلى تحرير، وذلك لأنه قد يطلق أحيانا على إقدام الرجل على الزواج من امرأة أخرى، فينبغي هنا التأكد ما إذا لم تكن هذه المرأة التي يتهم الرجل بالخيانة معها زوجة له، قد تزوجها من غير إعلان لهذا الزواج، وللفائدة تراجع الفتويان: 15726، 450472.
ثالثا: إذا ثبت أن أباك، أو غيره يخادن النساء، أو يمارس الفاحشة معهن، فالواجب بذل النصح له، وتذكيره بالله تعالى، وليكن ذلك بالحسنى، واللطف، ولا سيما في نصح الوالد، فالإنكار عليه ليس كالإنكار على غيره ـ كما بين أهل العلم ـ جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل: في أمر الوالدين بالمعروف، ونهيهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه، يعلمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. انتهى.
رابعا: إذا نصح أبوك، واستمر على ما هو عليه، فمن حق أمك طلب الطلاق منه، بل يستحب لها ذلك، لفسقه، قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: وإذا ترك الزوج حقا لله تعالى، فالمرأة في ذلك مثله، فيستحب لها أن تختلع منه؛ لتركه حقوق الله تعالى. اهـ.
وليس من حق أهلها منعها من ذلك، ولا تجب عليها طاعة والديها فيه، فضلا عن غيرهما، فالطاعة إنما تجب في المعروف، وليس من المعروف إلزامها بما فيه ضرر عليها، وراجع الفتوى: 76303.
خامسا: ينبغي التعاون بين أهل الخير والصلاح للعمل على الإصلاح، والنهي عن المنكر، في مثل هذه البيئات الفاسدة، والاستعانة بمن يمكن أن يعين من المسؤولين، وذوي الوجاهة في كف الشر، والفساد، أو تقليله، ومن يخشى أن تضعف نفسه، ويتأثر بذلك، فعليه مفارقة هذه البيئة، إلى بيئة صالحة يقيم فيها، فتشرع الهجرة من أماكن المعصية إلى أماكن الطاعة، كما تشرع الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، ليصون المسلم دينه، وعرضه، وانظر الفتويين 151385، 123498.
والله أعلم.