الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فاعلم أن من مقاصد الشريعة المطهرة العظمى حماية حقوق الفرد والمجتمع، والمحافظة على الأنساب، وأخذ كل الاحتياطات لمنع اختلاطها.
من أجل كل ذلك وضعت للزواج الشرعي شروطا وضوابط لحماية حق الرجل والمرأة والولد.
فاشتراط الولي والشهود والإشهار للزواج هو لحماية الزوج أن ينسب إليه ولد هو منه براء في الحقيقة.
وحماية للمرأة أن ينكر الرجل -متى شاء- ولده منها.
وحماية للولد أن ينتفي منه أبوه متى حلا له ذلك.
ولعل الحكمة من هذه الشروط والضوابط الشرعية يدركها جليا من تساهلوا في الأخذ بها؛ فحصل ما حصل من مشاكل متشابكة، وضياع للحقوق وظلم للآخرين.
لذلك كان الواجب على المسلم والمسلمة والمجتمع كلا أن يلتزموا بشرع الله -تعالى- ويحكموه في كل أمور حياتهم؛ ليسعدوا في الدنيا والآخرة.
وإليك جواب أهم النقاط التي تضمنها سؤالك.
فالزواج الصحيح شرعا هو ما اجتمعت فيه شروط الصحة، وانتفت عنه موانعها.
وراجع لذلك الفتوى: 1766
1- إذا كان الزواج قد حصل بدون علم الولي وموافقته، فهو باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها؛ فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. كما في المسند والسنن. وعلى هذا، يجب أن يفرق بين هذا الرجل وتلك المرأة، ويفسخ ما يسميانه نكاحا، فالحقيقة أنه ليس نكاحا، بل هو نكاح باطل.
وإن وافق الولي على زواج هذا الرجل من تلك المرأة بعد ذلك، فليكن بعقد جديد بعد ما تستبرأ المرأة، إن كان هذا الرجل قد وطئها من قبل، ومن أهل العلم من قال: إن الولي إذا علم بذلك وأمضاه جاز، ولا حاجة إلى عقد جديد.
وعلى كل فالإقدام على هذا الأمر ابتداء لا يجوز، كما لا يجوز الاستمرار فيه إذا حصل، ومع ذلك فلا يعتبر الاتصال المترتب عليه زنا بحيث يقام حد الزنا على كل من الرجل والمرأة، وذلك لأن من أهل العلم من لم يشترط لصحة النكاح الولي، وهذا القول وإن كان مرجوحا من حيث الدليل، فإنه يدرأ به الحد عمن أقدم على مثل هذا الفعل وكان لا يعتقد حرمة الإقدام عليه.
2- وأما إذا اكتملت الشروط المطلوبة لصحة النكاح إلا أنه لم يحصل إعلان وإشهار له: فإن كان ذلك عن غير تواطؤ من الأطراف المعنية فهو صحيح، وعليهم أن يعلنوه ويشهروه؛ ليبتعد عن مشابهة الزنا في صفاته، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعلنوا النكاح، واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف. كما في المسند والترمذي.
أما إن كان عدم الإشهار حاصلا عن تواطؤ فإن النكاح مختلف فيه بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يفسخ لمشابهته للزنا من حيث التواطؤ على الكتمان.
ومنهم من قال: إنه صحيح لا يفسخ لتوافر شروط الصحة فيه، فهو مثل ما لم يحصل تواطؤ على كتمانه.
3- أما الفقرة الثالثة من السؤال فجزء من جوابها داخل ضمن جواب الفقرة السابقة.
وأما كون الأب زوج ابنته من رجل أكبر منها بكثير: فإن حصل ذلك برضاها فالزواج صحيح، مهما كانت الدوافع إليه من قبل الأب.
وإن لم يكن برضاها: فإن كانت ثيبا قد تزوجت من قبل فليس لأبيها ولا لغيره أن يجبرها على الزواج ممن لا ترغب فيه، وإن حصل ذلك فلها فسخه عند القاضي إن شاءت.
وإن كانت بكرا فقد اختلف أهل العلم: هل يجوز لأبيها خاصة أن يجبرها أو لا يجوز له ذلك؟ والراجح القول الأخير فهي مثل الثيب.
ويمكنك الاطلاع على الفتوى: 3006
4- أما الحكم الشرعي في الزواج الذي يكون فيه فارق السن بين الزوجين كبيرا فهو أنه زواج صحيح إذا لم يكن هنالك خلل آخر.
وقد تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة -رضي الله عنها- وعمرها ست سنوات، ودخل بها وهي بنت تسع، ثبت ذلك عنها في أحاديث متفق عليها، وكان عمره هو إذ ذاك قد جاوز الخمسين. وتزوج خديجة أم أولاده -عليه وعلى الجميع صلوات الله وسلامه- وهي أكبر منه بنحو خمسة عشر عاما.
ومع ذلك فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- الترغيب في نكاح الأبكار الصغار؛ ليكون ذلك أرجى لكثرة الولد وذلك مطلوب شرعا، بل إنه من أساسيات مقاصد الزواج، فقد ثبت عنه أنه قال: عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسير. كما في سنن ابن ماجه.
وقد ثبت عنه أنه قال: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم. كما في السنن لأبي داود والنسائي.
وأما الفقرة الأخيرة من سؤالك؛ فراجع لها الفتوى: 3329
والله أعلم.