الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففسخ الخطبة من جهة المرأة أو وليها؛ جائز، إذا كان له مسوغ.
وإذا لم يكن لمسوغ؛ فهو مكروه غير محرم؛ لأن الخطبة وعد غير ملزم، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولا يكره للولي الرجوع عن الإجابة، إذا رأى المصلحة لها في ذلك؛ لأن الحق لها، وهو نائب عنها في النظر لها؛ فلم يكره له الرجوع الذي رأى المصلحة فيه، كما لو ساوم في بيع دارها، ثم تبين له المصلحة في تركها.
ولا يكره لها أيضا الرجوع إذا كرهت الخاطب؛ لأنه عقد عمر يدوم الضرر فيه؛ فكان لها الاحتياط لنفسها، والنظر في حظها.
وإن رجعا عن ذلك لغير غرض، كره؛ لما فيه من إخلاف الوعد، والرجوع عن القول، ولم يحرم؛ لأن الحق بعد لم يلزمهما. انتهى.
لكن إذا كان الرجوع من أجل خاطب آخر؛ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى تحريمه؛ فقد جاء في حاشية الدسوقي -رحمه الله- على الشرح الكبير: واعلم أن رد المرأة، أو وليها بعد الركون للخاطب، لا يحرم، ما لم يكن الرد لأجل خطبة الثاني. انتهى.
وإذا رضيت الفتاة الرشيدة كفئا؛ فليس لوليها منعها من تزوجه دون مسوغ، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: إذا عضلها وليها الأقرب؛ انتقلت الولاية إلى الأبعد. نص عليه أحمد. وعنه رواية أخرى: تنتقل إلى السلطان...
ومعنى العضل: منع المرأة من التزويج بكفئها، إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. انتهى. وراجع الفتوى: 32427.
وإذا اختارت الفتاة الرشيدة كفئا، واختار وليها كفئا غيره؛ فاختيارها أولى من اختيار وليها، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: والتعويل في الرد والإجابة على الولي، إن كانت مجبرة، وعليها إن لم تكن مجبرة؛ لأنها أحق بنفسها من وليها.
ولو أجاب هو، ورغبت عن النكاح؛ كان الأمر أمرها.
وإن أجاب وليها، فرضيت، فهو كإجابتها.
وإن سخطت فلا حكم لإجابته؛ لأن الحق لها.
ولو أجاب الولي في حق المجبرة، فكرهت المجاب، واختارت غيره؛ سقط حكم إجابة وليها؛ لكون اختيارها مقدما على اختياره.
وإن كرهته، ولم تجز سواه؛ فينبغي أن يسقط حكم الإجابة أيضا؛ لأنه قد أمر باستئمارها؛ فلا ينبغي له أن يكرهها على من لا ترضاه. انتهى.
والراجح عندنا أنه لا يجوز إجبار البكر الرشيدة على الزواج، وراجع الفتوى: 31582.
فنصيحتنا لوالد هذه الفتاة أن يتقي الله فيها، ولا يمنعها من تزوج من رضيته دون مسوغ، وألا يجبرها على الزواج ممن لا ترغب في زواجه.
ونصيحتنا لك -إذا لم يرض والدها- أن تخطب غيرها، ولا تحاول الرجوع إليها.
والله أعلم.