السؤال
أنا امرأة متزوجة، وعندي طفلة، توفي والداي وأنا صغيرة، وكل إخوتي خارج البلاد، وظروفهم صعبة، وأعيش مع أهل زوجي، وأنا أعمل، وكل راتبي أصرفه على البيت المكون منا ومن أهله، حتى أن الراتب يأخذه زوجي ويقسمه بينه وبين أهله.
عانيت -ولا زلت- من أهل زوجي؛ فأنا ملتزمة بالحجاب والشرع، ووالده وأخوه لا يؤمنان إطلاقا، ويفضلان المرأة السافرة، ويرفضانني لأنني يتيمة ومحجبة على قولهما.
حاولت كثيرا إقناع زوجي بالاستقرار، لكنه يرفض ذلك؛ لأنه لن يترك البيت يأخذه أخوه، خاصة أن والده اشترى لأخيه بيتا، ونحن نعيش في بيت أهله، وهو ملك لأمه؛ وقد اتفق مع أهله أن يشتروا لأخيه بيتا، وأن يكون بيت أهله له، لكن الأب غير رأيه، ويريد أن يسكن أخاه معنا، دون دفع قرش واحد، بل نحن المجبرون على الدفع والصرف.
تعرضت لظلم كبير، فقد منعني من إنجاب ابنتي الوحيدة حتى تزوج أخوه وحملت زوجته، وأعمل عملا فيه جهد كبير، ولمدة لا تقل عن إحدى عشرة ساعة يوميا، وعلي في يوم العطلة تنظيف البيوت والاهتمام بشؤونها.
فقدت حملي الأول بسبب أهله الذين أجبروني على حمل الأشياء الثقيلة؛ حتى أجهضت؛ لأن أخاه لم يتزوج وقتها بعد، بل إنهم منعونا من اللقاء الزوجي ونحن في بيت واحد -فهو مع أخيه في غرفة، وأنا في غرفة مع أمه لمدة ستة أشهر-؛ ثم سمحوا لنا باللقاء الشرعي.
ليس لي أحد ألجأ إليه إلا الله، فلا أهل، ولا سند، وأبكي كل يوم، وأخاف الطلاق، لأنهم لن يسمحوا لي برؤية ابنتي إذا طلقت، عدا عن الكلام الخبيث الذي يقولونه، كلما حاول أحد -ولو شيخا- التدخل لإنصافي.
أعيش في ضياع كبير، وحزن أكبر يزداد كل يوم، فكرت كثيرا في الهرب، لكن تفكيري بابنتي يمنعني، فكيف أهدئ هذا الحزن، وأسكته في قلبي؟ علموني دعاء يفرج عني هذا الهم، والحزن، وانصحني ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية، وأن يصلح الحال بينك وبين أهل زوجك.
ولا شك في أن الدعاء من أهم ما ينبغي الالتجاء إليه عند المحن، فقد ابتلي الأنبياء، فكان مفزعهم إلى الدعاء، والرب جواد كريم، سميع قريب، أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، فقال: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين {غافر:60}.
ومن الأدعية التي تناسب المقام الذي أنت فيه أدعية سؤال الله العافية، وقد ضمنا بعضها الفتوى: 221788، وكذلك أدعية الهم والحزن، وقد ذكرنا جملة منها في الفتوى: 16946؛ هذا أولا.
ثانيا: تحلي بالصبر؛ فهو من خير ما يتسلى به عند حلول البلاء، قال عنه ابن القيم في زاد المعاد: فما حفظت صحة القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصبر؛ فهو الفاروق الأكبر، والترياق الأعظم، ولو لم يكن فيه إلا معية الله مع أهله، فإن الله مع الصابرين، ومحبته لهم، فإن الله يحب الصابرين، ونصره لأهله، فإن النصر مع الصبر، وإنه خير لأهله، {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} [النحل:126]، وإنه سبب الفلاح: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران:200]. انتهى. وللمزيد فيما يتعلق بفضل الصبر، انظري الفتوى: 18103.
ثالثا: أكثري من ذكر الله؛ فبه تهدأ النفس، ويطمئن القلب، ويصلح التفكير، قال تعالى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب {الرعد:28}.
قال ابن القيم في "الوابل الصيب" وهو يتحدث عن فوائد الذكر: ما استجلبت نعم الله عز وجل، واستدفعت نقمة بمثل ذكر الله تعالى؛ فالذكر جلاب للنعم، دافع للنقم، قال سبحانه وتعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}، وفي القراءة الأخرى: {إن الله يدفع}، فدفعه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم، وكماله، ومادة الإيمان، وقوته بذكر الله تعالى.
فمن كان أكمل إيمانا، وأكثر ذكرا؛ كان دفع الله تعالى عنه ودفاعه أعظم، ومن نقص؛ نقص، ذكرا بذكر، ونسيانا بنسيان، وقال سبحانه وتعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}، والذكر رأس الشكر -كما تقدم-، والشكر جلاب النعم، وموجب للمزيد، قال بعض السلف -رحمة الله عليهم-: ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن ذكرك. انتهى.
رابعا: حاوري زوجك بالحسنى، وبرفق، ولين، ووسطي أهل الخير والفضل ليبينوا له حقوقك عليه، ومن ذلك: الحق في مسكن مستقل تعيشين فيه حياتك من غير حرج، وأنه يلزمه توفيره لك، ولو بالأجرة، وأنك لا يلزمك السكنى مع أحد من أقاربه، وراجعي الفتاوى: 66191، 27662، 9116.
خامسا: ليس لزوجك فضلا عن أهله الحق في أن يأخذ من راتبك بغير رضاك؛ فهذا محرم، وفيه أكل لأمال الناس بالباطل، وقد قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل {النساء:29}، وثبت في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
والله أعلم.