وجوب توفير السكن المستقل للزوجة وإبعادها عن نيران الفتنة

0 24

السؤال

اليوم حرت كثيرا فيما أفعل؛ لأن الحكم وإن كان واضحا في هذه الأمور إلا أنني أحس نفسي مرغمة على ما أنا فيه، والحديث لم يعد ينفع معي في شيء مع زوجي. عندما تزوجت زوجي كان يسكن في شقة مع أمه وأخيه الوحيد الذي كان حينها ما يزال في الخامسة عشرة من عمره، وجدت مشاكل مع زوجي؛ بداية في موضوع: لا تفتحي الباب إن كنت غير موجود، ولا يدخل أخي البيت، مع أن أخاه له حق في السكن، ثم بعدها تغيرت الأمور، وتقبل الأمر بداية بأن الضرورة تبيح المحظور، بما أن زوجي طول النهار في العمل، فلا يمكن أن أدع أخاه خارجا طوال الوقت.
المشكل أن أمه لم تعد معنا، فصرت أظل وحدي معه في البيت، وتقبلتها، وقلت لا بأس الولد مراهق، وأنا مستورة، وألبس طويلا، وملابس ثقيلة لا تظهر مني إلا وجهي.
الولد بدأ يدخل صاحبه مرة واثنتين، حتى تعود على الوضع، وزوجي يقول: لا، عادي هو من سنين متعود يدخل عندنا، ثم بعدها أتى، واستقر، وصار يسكن معنا حاليا مدة وصلت لأربعة أشهر. تعبت من الموضوع جدا، فإما أن أظل محبوسة في غرفتي لا أعمل شيئا في البيت، أو أخرج وألتقي بهما، وأحيانا -إن هداهما الله- يبقيان في الغرفة، وأخرج أنا، لكني لا أجد راحتي أبدا، لا في شغل البيت، ولا في اللباس، إذ كما قلت أرتدي ملابس ثقيلة للسترة، وأنا عندي ولد رضيع أتعب معه.
ينتهي اليوم وأنا ساخطة، وأدعو عليهما إذ لم أجد من زوجي استجابة. أقول له: لتبيعا البيت، وليسكن كل وحده، يقول: لا، أخي حبيبي، وليس له غيري، بالرغم من أن هذا الولد هو وصاحبه ما منهما أمل، لا يريدان الدراسة، ولا يريدان العمل، لا شيء، فقط القعدة في البيت طول النهار، ويستيقظون بعد العصر ليأكلوا ويشربوا ويطلبوا من زوجي فلوس السجائر الإلكترونية خاصتهم، وفلوس القهوة والخروجات، وهو يصرف، وهو مغمض عينيه، أو لا أعلم ما حصل له.
طلبت منه أن نترك البيت بأكمله، ويكتري لي بيتا، ولو غرفة في سطح منزل أرتاح فيها. والله صرت أفكر في ترك البيت بأكمله بسبب هذا، وتعبت نفسيتي، ودائما ساخطة على الموجودين حولي، وأولهم زوجي. لو يبيع، وليعتمد أخوه على نفسه، فهو في السابعة عشرة حاليا، لكن لا هو يدرس، ولا هو يعمل أي شيء، فقط يجلب المشاكل والمصائب هو وصديقه.
رجاء أفتوني؛ لأني سوف أري هذه الفتوى لزوجي، بما أنه لا يأخذ بكلامي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

  فمن المقرر عند الفقهاء أن للزوجة على زوجها الحق في مسكن مستقل يندفع عنها فيه الحرج باطلاع الآخرين عليها.

قال القاضي عليش في منح الجليل شرح مختصر خليل في الفقه المالكي: ولها أي: الزوجة، الامتناع من أن تسكن مع أقاربه أي: الزوج، لتضررها باطلاعهم على أحوالها، وما تريد ستره عنهم، وإن لم يثبت إضرارهم بها . انتهى.

فيجب على زوجك أن يوفره لك ولو بأجرة ونحوها. قال الشربيني الشافعي في مغني المحتاج: ولا يشترط في المسكن كونه ملكه قطعا؛ بل يجوز إسكانها في موقوف، ومستأجر، ومستعار..... انتهى.

  ويمكن أن يجعل لك جزءا من الدار مستقلا بمرافقه إن كانت الدار تتسع لذلك.

جاء في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر في الفقه الحنفي: وفي شرح المختار: ولو كان في الدار بيوت وأبت أن تسكن مع ضرتها ومع أحد من أهله إن خلى لها بيتا وجعل له مرافق وغلقا على حدة ليس لها أن تطلب بيتا آخر. انتهى.

فحاصل الأمر أن هذا من حقك على زوجك، فيجب عليه أن يؤدي إليك هذا الحق وغيره من حقوقك، كما يجب عليك أن تؤدي إليه حقوقه، قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف {البقرة:228}.

 وأخو زوجك هذا قد بلغ مبلغ الرجال، وهو أجنبي عنك، فلا يجوز له الدخول عليك، أو الخلوة بك، ثبت في الصحيحين عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو ؟ قال: الحمو الموت.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: معناه: أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه والفتنة أكثر؛ لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه، بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا: أقارب الزوج غير آبائه، وأبنائه -كالأخ، وابن الأخ، والعم، وابنه، ونحوهم ممن ليس بمحرم ـ وعادة الناس المساهلة فيه، ويخلو بامرأة أخيه، فهذا هو الموت، وهو أولى بالمنع من الأجنبي؛ لما ذكرناه. اهـ.

ودخول آخر معه لا يعني جواز دخولهما عليك  بالضرورة، روى مسلم عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان. 

قال النووي في شرح هذا الحديث: ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية، والمشهور عند أصحابنا تحريمه، فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم، أو مروءتهم، أو غير ذلك، وقد أشار القاضي إلى نحو هذا التأويل. انتهى.

 وما تقدم متعلق بالجانب الفقهي، وفي جانب الدعوة والنصح نرجو أن يسود بينكما الحوار والتفاهم، وأن يعمل كل منكما ما يسعد الآخر، ويدفع عنه الحرج، وأن تجتنبا ما يمكن أن يؤدي إلى النزاع والخصام، فإن هذا مما لا تحمد عاقبته، روى مسلم عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت.

وقد ترجم عليه: باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قرينا

وفي الختام ننصح زوجك بأن لا يكون عونا لأخيه هذا على البطالة، بل ينبغي أن يحثه على العمل، وطلب الرزق، ويعينه في البحث عن ذلك. روى البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: اليد العليا خير من اليد السفلى.
  والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة