الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في حكم وجوب خدمة الزوجة لزوجها، والمفتى به عندنا وجوب الخدمة بالمعروف، فليس لهذه الخدمة قدر محدود، أو صفة معينة، ولكنها تختلف باختلاف الأحوال والأعراف.
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: ..ثم من هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة، ومنهم من قال: تجب الخدمة بالمعروف، وهذا هو الصواب.
فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال: فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة. انتهى.
فيرجع إلى العرف عندكم فيما سألت عنه من أمر ترتيب أغراض الزوج.
وخدمة المرأة زوجها بما يقتضيه العرف ليس فضلا، بل هو نوع من العدل؛ لأن الزوج مكلف في المقابل بالخدمة الظاهرة؛ كالسعي في كسب العيش، وتوفير النفقة، ويتبين من هذا أن الحياة تقوم على التكامل بين الزوجين، وأن كلا منهما فيها خادم ومخدوم.
قال ابن القيم في زاد المعاد: قال ابن حبيب في الواضحة: حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وبين زوجته فاطمة -رضي الله عنها- حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة: خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة. انتهى.
وينبغي أن يكون بينهما التعاون، ومن ذلك أن يعين الرجل زوجته فيما قد يشق عليها، ويكون عليها فيه شيء من الحرج، ويجتهد الزوج في أن يترك أغراضه مرتبة؛ لئلا يجعل زوجته في حرج من أمر ترتيبها، ويمكنها من التفرغ لغير ذلك من أعمال البيت، ورعاية الأولاد.
وقد كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- إعانة أهله في خدمة البيت.
ففي صحيح البخاري عن الأسود قال: سألت عائشة -رضي الله عنها-: ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -تعني خدمة أهله-، فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة.
وفي مسند أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- أنها سئلت: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه.
ومجرد كون المرأة لم تكن تعمل في بيت أهلها، لا يمنع من قيامها بخدمة زوجها.
ولكن ذكر بعض الفقهاء أن المرأة إن كانت ممن يخدم مثلها، أو كانت مريضة، وجب على زوجها أن يوفر لها خادما.
قال ابن قدامة في المغني: فإن كانت المرأة ممن لا تخدم نفسها؛ لكونها من ذوي الأقدار، أو مريضة؛ وجب لها خادم. انتهى.
ونختم بالقول إنه ينبغي أن تقوم الحياة بين الزوجين على التفاهم، ويجتهد كل منهما فيما يدخل السرور على الآخر؛ لتحل في البيت المودة، وتقوى العشرة، وتستقر الأسرة، وينعكس ذلك إيجابا على الأولاد في تربيتهم ونشأتهم.
والله أعلم.