السؤال
هل يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برفق ولين، أم بشدة؟ فبعض الناس يقولون إن الأمر بالمعروف يجب أن يكون بشدة، ولا يكون برفق، ويستدلون بما في صحيح مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتما من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، وبما في صحيح مسلم أيضا أن رجلا خطب عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: من يطع الله ورسوله، فقد رشد، ومن يعصهما، فقد غوى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بئس الخطيب أنت، وبما رواه البخاري ومسلم أن امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فإن كان الأمر بالمعروف ينبغي أن يكون برفق، فما القول في تلك الأحاديث؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل في النهي عن المنكر أن يكون برفق ولين دون شدة وتعنيف، فعن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه، رواه مسلم.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا، ومن الآيات قوله تعالى: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك {آل عمران: 159}، وقوله سبحانه: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن {النحل: 125}.
وقال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) في بيان صفة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به؛ فقيها فيما ينهى عنه؛ رفيقا فيما يأمر به؛ رفيقا فيما ينهى عنه؛ حليما فيما يأمر به حليما فيما ينهى عنه. انتهى.
ومع ذلك فقد يعرض لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما يستدعي استعمال شيء من الشدة مبالغة في الإنكار، وذلك متوقف على نظر الآمر والناهي، وتقديره للمصلحة المترتبة على هذه الشدة، وأمنه من عدم حصول مفسدة بسببها، وقد أشار لذلك القرآن في مثل قوله تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم {العنكبوت: 46}، وقوله سبحانه: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير {التوبة: 73}، فلكل مقام مقال.
قال ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين): إنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأولتان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة" انتهى.
وانظر للفائدة الفتويين: 195149، 18611.
والله أعلم.