السؤال
قريبي كان هو وزوجته يزكيان على أموالهما كل عام في أول يوم من رمضان، ولا ينقصان شيئا مهما بلغ مبلغ الزكاة، بل يزيدان عليه؛ خوفا من الخطأ، وقد كنت أحسب لهما الزكاة، فأنا بارع في الحسابات والحمد لله، وهذا الشخص منذ عام فقد وظيفته التي كانت تدر عليه أموالا كثيرة، وغلت المعيشة بشكل كبير خلال هذه السنة، والآن اقترب رمضان، وهو لا يملك أن يدفع الزكاة على الذهب الذي معه، وكذلك حال زوجته، ومبلغ الزكاة يساوي راتبه لشهرين -تقريبا-، ولو أنه سيدفع الزكاة سيضطر أن يبيع من الذهب الذي عنده، وقد كان هو وزوجته يخبئان المال لزواج ابنهما وشراء بيت له.
فخطرت لهما فكرة أن يشتروا البيت الآن، وقد عثروا على البيت فعلا، ومعهما ثمنه. وهكذا لن يدفعا الزكاة، وسيتزوج ابنهما بعد أن ينهي جامعته -إن شاء الله-، ولكنهما يخافان من الله، وأنهما بهذه الطريقة قد تهربا من الزكاة. فهل في هذا مخالفة لأمر الله؟ وهل عليهما شيء؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الذهب المعد للادخار، تجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول وهو بالغ نصابا، والنصاب هو: (85 جراما فما فوق)، وكون هذين الشخصين لا يملكان نقودا لا يؤثر؛ إذ يمكن إخراج الزكاة من الذهب نفسه، وهذا هو الأصل، فالأصل أن زكاة الذهب تخرج من الذهب نفسه، ولكن مع ذلك إن شاء المالك أن يخرج الزكاة نقودا، فلا مانع.
والفكرة التي خطرت ببال رب المال، والتي مؤداها شراء بيت للولد، وعندها ينقص المال عن النصاب، نخشى أن تكون حيلة للفرار من الزكاة، والحيل باطلة شرعا، ومردودة على أصحابها.
واختلف فيمن فعل ذلك قبل الحول، فمنعه المالكية والحنابلة قبل الحول بشهر أو نحوه، وأوجبوا الزكاة، ولم يوجبها الشافعية والحنفية، لأن الزكاة لا تجب إلا عند تمام الحول.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني" (2/285): إبدال النصاب بغير جنسه يقطع الحول، ويستأنف حولا آخر. فإن فعل هذا فرارا من الزكاة، لم تسقط عنه، سواء كان المبدل ماشية أو غيرها من النصب، وكذلك لو أتلف جزءا من النصاب، قصدا للتنقيص، لتسقط عنه الزكاة، لم تسقط، وتؤخذ الزكاة منه في آخر الحول، إذا كان إبداله وإتلافه عند قرب الوجوب. ولو فعل ذلك في أول الحول، لم تجب الزكاة؛ لأن ذلك ليس بمظنة للفرار.
وبما ذكرناه قال مالك، والأوزاعي، وابن الماجشون، وإسحاق، وأبو عبيد، وقال أبو حنيفة، والشافعي: تسقط عنه الزكاة؛ لأنه نقص قبل تمام حوله، فلم تجب فيه الزكاة، كما لو أتلفه لحاجته.
ولنا، قول الله تعالى: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم}. فعاقبهم الله تعالى بذلك، لفرارهم من الصدقة، ولأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه، فلم يسقط، كما لو طلق امرأته في مرض موته، ولأنه لما قصد قصدا فاسدا، اقتضت الحكمة معاقبته بنقيض قصده، كمن قتل موروثه لاستعجال ميراثه، عاقبه الشرع بالحرمان، وإذا أتلفه لحاجته، لم يقصد قصدا فاسدا. انتهى.
وقال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير للشيخ الدردير (1/ 437): من ملك نصابا من الماشية، سواء كان للتجارة أو للقنية، ثم أبدله بعد الحول أو قبله بقرب بماشية أخرى من نوعها، أو من غير نوعها؛ كانت الأخرى نصابا، أو أقل من نصاب، أو أبدلها بعرض، أو بنقد، فرارا من الزكاة، ويعلم ذلك من إقراره أو من قرائن الأحوال، فإن ذلك الإبدال لا يسقط عنه زكاة المبدلة، بل يؤخذ بزكاتها معاملة له بنقيض قصده... اهـ.
وعليه؛ فالمسألة -كما ترى- مسألة خلافية، والمرجح فيها عندنا قول من قال بعدم مشروعية التحايل لإسقاط الزكاة، وعدم إسقاطها، وتراجع لبعض التفاصيل الفتوى: 463978.
والله أعلم.