الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فينبغي للنائم أن يأخذ بالأسباب التي تعينه على القيام للصلاة من ضبط منبه، أو نحوه، أو توكيل من يوقظه للصلاة، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أمر بلالا أن يرقب لهم الليل، ولا خلاف في مشروعية الأخذ بأسباب الاستيقاظ للصلاة، وإن وقع الخلاف في وجوب ذلك.
وقد نص كثير من العلماء على عدم الوجوب؛ لأن الصلاة لا تجب، إلا بدخول الوقت، فهو غير مخاطب بها قبل دخول الوقت، وما لا يتم الوجوب إلا به، فليس بواجب، كما لا يجب تحصيل نصاب الزكاة، ولا تحصيل الاستطاعة للحج. فيجوز لك النوم قبل دخول وقت الصلاة، ولو تيقنت عدم الاستيقاظ في الوقت، ولا يجب عليك ضبط المنبه، أو غير ذلك، وإنما يستحب لك ذلك.
وتفصيل هذا: أن المكلف لا يخاطب بالصلاة قبل دخول وقتها، وقد نص عامة العلماء من مختلف المذاهب على جواز النوم قبل دخول الوقت، ولو مع غلبة الظن -بل والعلم- بعدم الاستيقاظ في الوقت. ولم يشترطوا لإباحة النوم للرجل قبل دخول الوقت توكيل من يوقظه -وضبط المنبه شبيه بالتوكيل، فكلامهما وسيلة للاسيقاظ-.
فقد جاء في حاشية ابن عابدين -من كتب الحنفية-: [فرع] لا يجب انتباه النائم في أول الوقت، ويجب إذا ضاق الوقت، نقله البيري في شرح الأشباه عن البدائع من كتب الأصول، وقال: ولم نره في كتب الفروع، فاغتنمه. قلت: لكن فيه نظر؛ لتصريحهم بأنه لا يجب الأداء على النائم اتفاقا، فكيف يجب عليه الانتباه: روى مسلم في قصة التعريس عن أبي قتادة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ليس في النوم تفريط، إنما التفريط أن تؤخر صلاة، حتى يدخل وقت الأخرى. وسنذكر في الأيمان أنه لو حلف أنه ما أخر صلاة عن وقتها، وقد نام فقضاها، قيل لا يحنث، واستظهره الباقاني، لكن في البزازية الصحيح أنه إن كان نام قبل دخول الوقت، وانتبه بعده لا يحنث، وإن كان نام بعد دخوله حنث. فهذا يقتضي أنه بنومه قبل الوقت لا يكون مؤخرا، وعليه، فلا يأثم، وإذا لم يأثم لا يجب انتباهه، إذ لو وجب لكان مؤخرا لها، وآثما، بخلاف ما إذا نام بعد دخول الوقت، ويمكن حمل ما في البيري عليه. انتهى.
وفي حاشية العدوي على الخرشي -وهو من كتب المالكية-: قال الأجهوري: يجوز للإنسان أن ينام بالليل، وإن جوز أي اعتقد، أو ظن أن نومه يبقى حتى يخرج وقت صلاة الصبح؛ إذ لا يترك أمرا جائزا لشيء لم يجب عليه، كما نقله الباجي عن الأصحاب. وأما النوم بعد دخول الوقت، فإن علم، أو ظن أنه يبقى حتى يخرج الوقت، فإنه لا يجوز. أي: ما لم يوكل من يوقظه ممن يثق به. ومفاده أنه لو شك في الخروج، فإنه يجوز له. انتهى.
وترى في كلامه تقييد إباحة النوم بالتوكيل، إنما هو في النوم بعد دخول الوقت مع غلبة الظن بعد الاستيقاظ، ويفهم منه: أن النوم قبل دخول الوقت لا يلزم فيه التوكيل.
وقال الدردير في الشرح الصغير: ولا يحرم النوم قبل الوقت، ولو علم استغراقه الوقت، بخلافه بعد دخول الوقت إن ظن الاستغراق لآخر الاختياري .انتهى.
وقال ابن حجر في تحفة المحتاج -وهو من كتب الشافعية: ومحل جواز النوم، إن غلبه بحيث صار لا تمييز له، ولم يمكنه دفعه، أو غلب على ظنه أنه يستيقظ، وقد بقي من الوقت ما يسعها، وطهرها، وإلا حرم، ولو قبل دخول الوقت على ما قاله كثيرون. انتهى.
وجاء في حاشية الشرواني على التحفة: (قوله: ولو قبل دخول الوقت) خالفه النهاية، والمغني، فقالا: فإن نام قبل دخول الوقت لم يحرم، وإن غلب على ظنه عدم تيقظه فيه؛ لأنه لم يخاطب بها. اهـ.
وأما الحنابلة: فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح عمدة الفقه: إذا نام قبل العشاء، ولم يوكل به من يوقظه كره له ذلك؛ لأنه يخاف أن يدوم النوم، فيفضي إلى فوت الوقت، أو فوت الجماعة، وإن وكل به من يوقظه لم يكره .اهـ.
وكلامه صريح في عدم حرمة النوم قبل دخول الوقت، ولو مع عدم توكيل من يوقظه. ويبقى التنبيه إلى أن بعض المعاصرين أوجب على النائم قبل الصلاة ضبط المنبه، أو توكيل من يوقظه، كما سبق في الفتوى: 119406.
وبناء على ما سبق، -ونظرا لحالتك التي ذكرت-، فالذي نوجهك إليه هو أن تحاول أن لا تنام، إلا في وقت لا يضايقك في وقت الصلاة، فإن احتجت إلى النوم في غير ذلك، فلا حرج عليك في النوم قبل دخول الوقت، ولا يلزم الأخذ بالأسباب خاصة أن حالتك هي ما ذكرت.
والله أعلم.