السؤال
نحن أسرة نعيش في غرب أستراليا منذ 7 سنوات حيث يعمل زوجي في بلدة صغيرة في سكن الشركة. ولأن ابنتي (11 سنة) ستدخل الصف السابع في السنة القادمة، وستتنقل لمدرسة أكبر ومختلطة، ويمكن أن تتعرض لضغوط كبيرة هنا بسبب الحجاب، وقد تتأثر بالمجتمع هنا؛ لذلك فنحن مضطرون إلى أن ننتقل إلى العاصمة حيث المدارس الإسلامية والمجتمع الإسلامي العربي.
نحن لا نملك منزلا، والمبلغ الذى ادخرناه حتى الآن مع بيع كل ما نملك في بلدنا الأم -ما عدا شقة نملكها، ولكن تسكن بها أم زوجي المريضة؛ لأن شقتها غير مناسبة لمرضها، ولا نستطيع بيعها الآن- والمبلغ الذي ادخرناه لا يمكن شراء بيت به هنا. وإذا استأجرنا بيتا ستضيق علينا الحياة؛ لأن مصاريف المدارس الإسلامية ليست بالقليلة، وأنا لدي بنت وابنان.
فهل يجوز لنا أن نشترى بيتا عن طريق البنك وهي الطريقة المتبعة هنا؛ لما تقدمه الدولة من تسهيلات، واستحالة شراء بيت بدون مساعدة، مع الوضع في الاعتبار أننا سندفع كل ما لدينا كمقدم والذي يقدر بثلث ثمن البيت، وسنسدد للبنك على 10 سنوات وليس 30 سنة كما هو المتبع هنا، وكلما توفر لدينا مبلغ سوف نسدده للبنك إن شاء الله.
أرجو الإفادة.
وإذا احتجتم لمعلومات أكثر فسوف أجيب عليها.
وشكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شراء بيت عن طريق البنوك في مثل تلك البلاد لا يتم إلا بقرض ربوي، والاقتراض بالربا من المحرمات المعلومة، ولا يباح لأجل تملك المسكن، إذا كان الاستغناء بالاستئجار ممكنا ولا يلحق المستأجر بسبب الأجرة مشقة شديدة.
جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي: بعد الاطلاع على البحوث الواردة إليه بخصوص موضوع التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها، والاستماع للمناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
أولا: إن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان، وينبغي أن يوفر بالطرق المشروعة بمال حلال. وإن الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والإسكانية ونحوها من الإقراض بفائدة ـ قلت أو كثرت ـ هي طريقة محرمة شرعا؛ لما فيها من التعامل بالربا ... اهـ.
فإن تعذر الاستئجار، أو لحقت بسببه مشقة يعسر تحملها، ولم تندفع هذه المشقة إلا بالقرض الربوي، فلا حرج حينئذ في ذلك من باب أن الضرورات تبيح المحظورات.
وعليه؛ فإذا كانت ستلحقكم مشقة شديدة حال الاستئجار فيباح لكم شراء بيت عن طريق قرض بفائدة. لا سيما وقد سبق أن أفتى مجلس الإفتاء الأوروبي المسلمين الذين يعيشون في أوروبا بجواز شراء بيت للسكنى عن طريق البنوك هناك، بناء على أدلة شرعية منها: الضرورة والحاجة.
ومما جاء في الفتوى: فإن المجلس في ضوء الأدلة والقواعد والاعتبارت الشرعية، لا يرى بأسا من اللجوء إلى هذه الوسيلة، وهي القرض الربوي لشراء بيت يحتاج إليه المسلم لسكناه هو وأسرته، بشرط ألا يكون لديه بيت آخر يغنيه، وأن يكون هو مسكنه الأساسي، وألا يكون عنده من فائض المال ما يمكنه من شرائه بغير هذه الوسيلة.
وقد اعتمد المجلس في فتواه على مرتكزين أساسيين:
المرتكز الأول: قاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات" وهي قاعدة متفق عليها، مأخوذة من نصوص القرآن في خمسة مواضع، منها قوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) الآية:119 سورة الأنعام، ومنها قوله تعالى في نفس السورة بعد ذكر محرمات الأطعمة: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) الآية:145.
ومما قرره الفقهاء هنا أن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة.
والحاجة هي التي إذا لم تتحقق يكون المسلم في حرج وإن كان يستطيع أن يعيش، بخلاف الضرورة التي لا يستطيع أن يعيش بدونها.
والله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة بنصوص القرآن، كما في قوله تعالى في سورة الحج: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الآية:78، وفي سورة المائدة: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) الآية:6.
والمسكن الذي يدفع عن المسلم الحرج هو المسكن المناسب له في موقعه وفي مرافقه، بحيث يكون سكنا حقا.... اهـ.
والله أعلم.