السؤال
توفي لي ولد في الثانية من العمر منذ شهرين وصبرنا واحتسبنا أنا وأمه لكن لا نزال نذكره وتدمع أعيننا ونجلس ننظر إلى صوره هل في ذلك عدم الصبر ثم كيف ندعو له أو نتصدق بنية أن ذلك يصله. جزاكم الله خيرا .
توفي لي ولد في الثانية من العمر منذ شهرين وصبرنا واحتسبنا أنا وأمه لكن لا نزال نذكره وتدمع أعيننا ونجلس ننظر إلى صوره هل في ذلك عدم الصبر ثم كيف ندعو له أو نتصدق بنية أن ذلك يصله. جزاكم الله خيرا .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يأجركما في مصيبتكما، وأن يخلفكما خيرا منها، وأن يلهمكما الصبر، ويعظم لكما المثوبة والأجر. ونبشركما بما وعد الله به من ابتلاهم فصبروا في محكم كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: [ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون](البقرة:157) وقال تعالى: [لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور] (آل عمران:186) وورد بخصوص الابتلاء بموت الأبناء أحاديث أخر كثيرة منها ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم. والمراد بتحلة القسم، قوله تعالى: [وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا](مريم:72) وفيهما أيضا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة وعظه صلى الله عليه وسلم للنساء، قال لهن فيما يقول: مامنكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار، فقالت امرأة: واثنين، فقال: واثنين. فنوصيكما بالصبر والحمد واحتساب الأجر والمثوبة عند الله تعالى، ونحذركما من الشيطان أن يغريكما بالجزع والتسخط على قضاء الله وقدره، فيفوت عليكما الأجر، فتجتمع عليكما المصيبتان ـ فقدان المحبوب وفوات الأجر. ونرجو أن يكون ذلك رفعا لدرجاتكما عند الله تعالى وتكفيرا لسيئاتكما، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مامن مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا حط الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة. وأخيرا ننصحكما بعدم الاحتفاظ بصورته ومعاودة النظر إليه لأن ذلك يسبب لكما الحزن والجزع ولأن اقتناء الصورة الملتقطة بالكاميرا محرم عند طائفة إلا للحاجة، فالأولى إتلافها خروجا من الخلاف. وأما قولك (هل في ذلك عدم الصبر) فالجواب إن مجرد حزن القلب ودمع العين لا ينافي الصبر، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله! فقال: يا ابن عوف إنها رحمة. ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. فالذي ينافي الصبر هو رفع الصوت وشق الثوب ونتف الشعر ونحو ذلك. وأما قولك كيف ندعو له أو نتصدق له. فالجواب أنكما تدعوان له برفع الدرجات وقبول شفاعته لكما يوم القيامة، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال الذين صلى عليهم وسأل الله أن يشفعهم في آبائهم، ففي سنن البيهقي وغيرها عن أبي هريرة أنه كان يصلي على المنفوس الذي لم يعمل خطيئة قط ويقول: اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وذخرا، قال نعيم: وقيل لبعضهم: أتصلي على المنفوس الذي لم يعمل خطيئة قط؟ قال: قد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مغفورا له بمنزلة من لم يعص الله عز وجل. ولا بأس أن تتصدقا على الفقراء أو المساكين بنية أن يكون الأجر والثواب للطفل المذكور وإن كان الأولى لكما أن تتصدقا به عن أنفسكما لأنكما أحوج منه للأجر.